تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العقلاء إذا كانت دنيوية، أو تجمع بين الأمرين إذا جمعت بين الطرفين.

العدل بين الخصمين كذلك أيضاً مما ينبغي أن يُتنبَّه له في الصلح: أن يُبنى على تقوى الله عز وجل بالعدل بين الطرفين، فإذا دخلت في القضية وأنت ترجو ما عند الله، وتصوَّرتَها تصوراً كاملاً ثم استشرت العلماء وقالوا لك: فلان المخطئ، وفلان المصيب، وفلان أخطأ في كذا وأصاب في كذا، والآخر أخطأ في كذا وأصاب في كذا، وأخذت نتيجة الأمر؛ فحينئذٍ إما أن تحل القضية حلاً وسطاً؛ بالجمع بين الطرفين بالحل الوسط، وهذا ما يكون به الصلح. وأما إذا بينت لكل ذي حق حقه، وأردت أن تفصل بينهم بذلك، فالذي يفعل هذا يسمى حَكَمَاً، وهو الذي يعرف حق كل واحد من الطرفين، ثم يعطي كل ذي حقٍ حقه. لكن المصلح دائماً يُحدِث قولاً وسطاً بين الطرفين، وهذا يستلزم تنازل صاحب الحق عن شيءٍ من حقه، كأن تعرف أن المرأة مظلومة وأن الزوج ظالم، فتذهب إلى الزوج وتبيِّن له ظلمه، وتذهب إلى الزوجة، وتقول لها: نعم أنتِ مظلومة وأنت صاحبة حق؛ لأن الله يقول، ورسوله عليه الصلاة والسلام يقول، لكن يا فلانة هذا زوجك وبعلك، إن صبرت عليه واحتسبتِ فلك الأجر عند الله؛ يا فلانة! الله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، فإن صبرتِ صبَّركِ الله، وإن احتسبتِ الأجر عند الله أثابكِ الله، ونحو ذلك من الكلام الطيب؛ فتلين قلبها للعفو، وتجعل قلبها ليناً للإصلاح .. وفي هذه الكلمات مثوبة الله، والأجر من الله، وإذا خرجت من قلب صادق فإنها تقع في الأذن وتقع في القلب، فالكلمة التي تخرج من القلب تلامس شغاف القلب، وينبغي للمصلح أن يتخير الألفاظ المناسبة والعبارات المهذَّبة التي لا تسيء إلى مشاعر الناس، ولا تُجحِف في حقهم.

اختيار الألفاظ المناسبة وعدم الإحراج فإذا عرفتَ الحق وأردت أن يتنازل صاحب الحق عن جزءٍ من حقه حتى يقع الصلح؛ فينبغي أن يكون بطريقة مناسبة، وهذا ما أحببت أن أنبه عليه، فلا ينبغي إحراج الناس، وظلم الضعفاء والإضرار بمصالحهم. في بعض الأحيان يدخل الرجل في صلح بين طرفين، وأحد الطرفين قوي ظالم، والطرف الثاني ضعيف مظلوم، وقد يكون الخصم الضعيف أيتاماً أو أرامل، فيأتي المصلح إلى الضعيف فيستغل نقاط ضعفه، ويضغط عليه من جهة هذه النقاط حتى يتنازل عن بعض حقه، قال بعض العلماء: لا يأمن من يفعل ذلك من الإثم في صلحه. وهذا ليس بصلح، بل ظلم وجور، وإذا أُصلح بينهم على هذا الوجه فإن هذا يعين الظالم على الظلم، ويجعله يتمادى في ظلمه، واليوم ينتهي من هؤلاء الضعفاء ليقع فيمن هو أضعف منهم، أو في غيرهم، ولذلك كان هذا النوع من الإحراج والإلحاح لا يجوز. كذلك أيضاً: إذا فرضنا أن عاملاً اشتغل وكد فأصبح له حق عند صاحب العمل، وصاحب العمل رجل غني وثري، وثبت أن هذا العامل له خمسون ألفاًً عند هذا الرجل الثري الغني الذي لا تضره الخمسون الألف شيئاً، وهذا الرجل جلس السنة والسنتين في عمله وكدِّه وتعبه ونصبه، ولربما كان عليه ديون وحقوق للناس، فنأتي إلى العامل ونضغط عليه حتى يتنازل عن جزء من المبلغ، أو عن جملة من حقوقه، ولربما أُخذت أطراف من قرابته وجماعته ممن يستحي منهم، فأُخذت الأموال بسيف الحياء، فمثل هذا لا يبعد أن يبوء صاحبه بالإثم، وهذا ليس بصلح، بل إفساد ومعونة على الإفساد. فينبغي النظر في أحوال الناس، والنظر في حدود إمكاناتهم وطاقاتهم والأشياء التي يمكن أن يضحوا بها، فما كان في وسعهم سألناهم أن يعفوا، ويكون السؤال بطريقة طيبة مهذبة، لا بطريقة الإلحاح والإزعاج والإحراج، ففي بعض الأحيان يبلغ بالصلح أن الشخص يأخذ أطرافاً أقوياء، لا يمكن أن يرد الشخص شفاعتهم، وفي بعض الأحيان يكون المصلح رجلاً له مكانة وجاه، فإذا جاء إلى ابن عمه وقريبه؛ قال له: طلبتك، وإذا طلبتك فلا تردَّني .. وهذا الكلام لا يصلح! كيف تطلبني شيئاً فيه إجحاف وإضرار بي، ولربما فيه إجحاف بأهلي وعرضي وزوجي وقرابتي، فهذا لا يصلح وينبغي أن يكون هناك شيء من التعقل والبصيرة، فنعرف ماذا نجني إذا أصلحنا، ولو حصلت غلطة أو هفوة أو زلة من رجل معروف في الصلاح والاستقامة، وأقلناه فمن باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم)، أو علمنا أن الرجل غلط ثم ندم، وممكن أن يُصلح، أو كانت الغلطة في إمكان الشخص أن يعفو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير