تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا كان قد احتفرها أو انفجرت من تلقاء نفسها في أرضه، فالمعمول به في قضاء الصحابة رضوان الله عليهم استنباطاً من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الزبير: أن العيون ونحوها يسقى بها الأعلى فالأعلى، لكن لا تملك، قال: (اسق يا زبير)، فجعل له أن يسقي ثم يرسل الماء: (اسق يا زبير ثم أرسل الماء) فالماء لا يملكه أحد إذا كان عيناً جارية، كالكلأ والنار، وهو الحطب. وهذه الأشياء يرد السؤال: هل من حقي أن أوكل فيها أو ليس من حقي؟ للعلماء وجهان: قال بعض العلماء: الوكالة الأصل فيها أن لا تقع إلا في شيء أملكه، فلا يستقيم أن تقول لشخص: حُش لي كذا وكذا، أنت وكيلي في الحشيش، ولا يستقيم أن تقول له: أنت وكيلي في أخذ الماء من العين؛ لأن هذا الشيء يملكه من أخذه، والوكالة يشترط فيها: أن يكون الأصيل مالكاً للشيء حتى يوكل فيه، وهذا سيملكه بعد قبضه، فمنع طائفةٌ من العلماء في هذه المسألة، وفقهاً ونظراً مذهبهم صحيح؛ لأنه لا يستقيم أن تقول هذا ملك لي، قد ذكرنا: أن الوكالة تكون فيما يملك، فقالوا من حيث النظر: إن هذا الحشيش أو هذا الماء أو هذا النار لا يملك إلا بعد الحيازة، فإذا كانت لا تملك إلا بعد الحيازة فلا تصح الوكالة بها إلا بعد أن يكون له حق التصرف فيها، فإنه سيوكل في سبب الملكية، والوكالة مفتقرة إلى حق التصرف في الذي فيه الملكية، فصار فيه شيء من الدوران، فمنعوا الوكالة في هذا النوع. وقال طائفة من العلماء كما درج عليه المصنف: يصح التوكيل، وقالوا: إنه -أي: الماء والكلأ والنار- في الأصل ملكٌ مشاع، ولكنه يتعين لمن أخذه، فصار التوكيل في الأخذ وأصل الاستحقاق وحق التصرف ينتزع من الشرع. والقول الأول في الحقيقة له قوة، أي: القول بأن التوكيل فيه لا يقع إلا في حالة واحدة، وهي: حالة التوكيل بأجرة أو بُجعل، والجعل أن تقول له: يا فلان! احتش لي من حشيش هذا الوادي ولك مائة أو لك ألفٌ، فحينئذٍ هي إجارة وتدخلها وكالةٌ في الملكية فيستقيم، وأما بالنسبة لغير الجعل والإجارة فإن القول لا يخلو من نظر كما ذكرنا.

الأشياء التي لا يصح فيها التوكيل ...... التوكيل في الظهار قال رحمه الله: [لا الظهار واللعان والأيمان]. أي: لا يصح التوكيل في الظهار؛ لأن الله تعالى يقول: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [المجادلة:2]، والظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، وكان معروفاً في الجاهلية، وأنكر الإسلام هذا القول وعده منكراً من القول وزورا؛ وذلك لأنه يفسد ما بين الزوج وزوجته. ثانياً: أنه يجعل الحلال حراماً، فهو تحريم لما أحل الله، حيث يجعل منكوحته التي أحل الله له نكاحها في منزلة المحرمة عليه؛ ولذلك وصفه الله بوصفين: أنه مُنْكَر مِنَ الْقَوْلِ وأنه زور. وقد أجمع العلماء على تحريمه، وأن من ظاهر من امرأته فهو آثمٌ شرعا؛ ولذلك عاقبه الله بالعقوبة المغلظة وهي: أن يعتق رقبةً من قبل أن يتماسا، فمن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع صيام شهرين متتابعين فإنه يطعم ستين مسكيناً. وعلى هذا قالوا: لا يجوز التوكيل في الظهار؛ لأن الوكالة عقدٌ قائمٌ على المشروع لا على الممنوع، قالوا: فلو وكله أن يظاهر من امرأته وصححنا الوكالة لصححناها في السرقات والمحرمات، فلو قال رجل لرجل: اسرق لي عشرة آلاف، فلو قلنا إن الوكالة هنا صحيحة لصحت وقطعت يد الوكيل والموكل، فهذا لا يستقيم في أصل الشرع، ولذلك قالوا: الوكالة في المشروع لا في الممنوع، ولذلك إذا صححت الوكالة في المحرم ترتبت عليها أمورٌ أخرى لا يحكم بها شرعاً، مثل ما ذكرنا في الجنايات وفي المحرمات من شرب خمرٍ أو زناً أو قتل ونحوه، فإن هذا كله مما لا تدخله الوكالة، ويتفرع على القول الذي نص عليه المصنف -رحمه الله- أن الظهار لا تصح فيه الوكالة، فلو قال له: وكلتك أن تظاهر لي من امرأتي فقال: امرأتك عليك كظهر أمك؛ فإنه يكون قولاً لفظاً لا تأثيراً له، ولا تلزمه الكفارة ولا تسري عليه أحكام الظهار؛ لأن الوكالة لاغية، ففائدة إلغاء الوكالة أنه لو تلفظ بالظهار لم يحكم به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير