تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الذي قاله أولاً ليس كاللفظ الذي قاله في أوسط الكلام، وليس كاللفظ الذي قاله في آخر الكلام، هذا واقع وهذا موجود، ومن تعاطى هذه المسائل يعرف ذلك، ولذلك تأدباً مع مشايخنا والعلماء الأجلاء يترك الأمر لكبار العلماء في مثل هذه المسائل، وهذا الذي درج عليه العرف أن تترك الفتوى للعلماء الكبار في مثل هذه المسائل. ومن فائدة هذا أيضاً: تعريف الناس بقدرهم، فرجوع الناس إلى العلماء الكبار وسؤالهم في المسائل التي تتصل بها بيوتهم يشعرهم بحق العلماء ومكانتهم، فهناك عدة أمور تدعو إلى مثل هذا؛ ومثل مسألتنا هذه بعض العلماء يقول: إذا وكله فإنها تطلق، فإذا طلق طلقةً واحدة انقطعت وفسخت الوكالة؛ لأنه وكله أن يطلق، وأقل ما يصدق عليه الطلاق طلقةٌ واحدة، ومنهم من يقول: ينظر إلى الأكثر، وهذا مبني على: هل العبرة بالألفاظ والإطلاقات بأكمل ما يصدق عليه الوصف أو بأقل ما يصدق عليه الوصف؟ فإن قلنا بالأقل فالعبرة بالطلقة الواحدة، وإن قلنا بالأكثر فالعبرة بالأكثر إلا أن يقيدهُ بواحدة، والله تعالى أعلم.

بيان أن العقود لا تجري على صيغ معينة السؤال: ذكرتم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بيّن أن أصول الشريعة لا تلزمنا في العقود بلفظٍ معين أو صيغة معينة إلا إذا دلّ الدليل على ذلك، نريد من فضيلتكم بياناً عن ما دل عليه الدليل بالإلزام في العقود؟ الجواب: هذه المسألة تكلم عليها شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه النفيس: القواعد النورانية، وذكر فيه القواعد الفقهية وأصول أهل الحديث، وأصول أهل الرأي، وبيّن رجحان مذهب أهل الحديث في مسائل العبادات والمعاملات في كتابه هذا الذي يسمى بالقواعد النورانية، وهو مطبوعٌ موجود، فبالنسبة لمسألة التقيد بالألفاظ في العقود فالرجل حينما يوكل غيره ويقول له: وكلتك في شراء أو بيعٍ يقول: إن الأمر يرجع إلى ما تعارف عليه الناس، ولا يحتاج الأمر إلى لفظ معين يتقيد به، وضرب لذلك أمثلة، فمثلاً: قال رحمه الله: إن السلف يكاد يكون كالإجماع بينهم أنهم ينزلون الأفعال منزلة الألفاظ الصريحة، فقد كان الرجل يبني المسجد ويفتح أبوابه للناس ولا يصيح ويقول: أيها الناس! قد أذنت لكم أن تصلوا فيه، فإن فتحه للباب وإشراعه للناس دال على أنه قد أوقف المسجد لله، فليس هناك لفظٌ معين، كذلك من سبّل السبيل من الماء، وأخرج الماء من بيته وأخرج الكيزان للشاربين فإنه لا يحتاج كل من أراد أن يشرب أن يقول: أين صاحب الماء حتى يأذن لي؟! فهذا الإذن المطلق جاء بالفعل، ونزّل الفعل منزلة القول، فليست هناك ألفاظ تعبدية يتقيدبها إلا فيما دل الشرع على التقيّد فيه باللفظ، وهذا معنى بالنسبة للنظر إلى الأفعال الدالة على الأقوال، وحتى الألفاظ نفسها، فالرجل في بعض الأحيان يقول للرجل كلمةً جرى العرف فيها على الإطلاق، مثلاً: تقول للعامل عندك في المحل: يا فلان! إني أريد سيارة من نوع كذا وكذا (أريد)، ما قلت له: اذهب واشتر، ولا قلت له: تولَّ وأنت وكيلي، فهذا العامل الذي يكون في العمل أو في محلك قال لك: اترك الأمر لي، فسكت؛ لأنه لما قال: اترك الأمر لي عُلِم أنه يريد منك تفويضاً وتوكيلاً للقيام بالأمر، فلا يحتاج إلى صيغة: وكلتك أن تقوم بكذا وكذا؛ لأن كلمة اترك الأمر لي، لا يهمك، درج العرف وجرى على أنها دالةٌ على التفويض، فإذاً نقول: إن الألفاظ والصيغ لا يلزم فيها الناس بصيغٍ معينة متى ما قام العرف بالدلالة على المقصود والمراد، والله تعالى أعلم.

ضابط الحنث في اليمين السؤال: إذا حلف الإنسان على أمرٍ من الأمور أن لا يفعله، ففعله تبعاً وموافقةً لا قصداً ولا حيلة فهل يكون قد حنث في يمينه؟ الجواب: ليس عليه إلا الكفارة، وهو يقول: والله لا أفعل، ففعله تبعاً للناس أو فعله مجاراةً للناس، أو فعله بإكراه أو إرضاء لأهله، عاطفةً لزوجه، فليس عليه إلا الكفارة؛ لأنه حنث في يمينه؛ والحنث غالباً ما يكون إلا بشيء لا يختاره الإنسان، فلا إشكال في لزوم الكفارة عليه، إلا إذا أكره، فالإكراه فيه وجهان مبنيان على: هل الأيمان تجري مجرى الأحكام الوضعية التي لا يلتفت فيها إلى القصد والنية أم تجري مجرى الأحكام التكليفية فتؤثر فيها النية؟ والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير