ومن المكتبات العجيبة في التاريخ الإسلامي مكتبة شيراز التي أقامها عضد الدولة البويهي، كتب عنها المقدسي في أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم أن عضد الدولة خرق فيها الأنهر ونصب عليها القباب وأحاطها بالبساتين والأشجار وحفر فيها الفياض وجمع فيها المرافق والعدد، وكان فيها ثلاثمائة وستون حجرة وداراً، ولكل حجرة وكيل وخازن ومشرف من عدول البلد، ولم يبق كتاب صنف إلى وقته من أنواع العلوم كلها إلا حصله منها - وكان يلصق على أبواب الخزائن أسماء الكتب التي فيها، ومقسمة حسب موضوعاتها.
وأنشأ سيف الدولة الحمداني مكتبة كبرى جعلها في عهدة شاعرين أخوين، هما أبو بكر محمد بن هاشم، وأبو عثمان سعيد بن هاشم.
ويذكر أبو شامة في كتاب الروضتين أن صلاح الدين عندما دخل مدينة آمد من أعمال الجزيرة العليا سنة 579هـ وجد فيها خزانة كتب تحوي ألف ألف وأربعين ألف كتاب، وهو رقم خيالي لكنه يدل على التراث الهائل وحب المطالعة والكتب.
ووصف المقريزي مكتبات الفاطميين وبخاصة دار الحكمة، فقال إنها من عجائب الدنيا لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم منها، وكان فيها 1200 نسخة من تاريخ الطبري، وكانت تشتمل على ألف ألف وستمائة ألف كتاب، وكانت مكتبات الفاطميين مفروشة بأثاث وفرش جميلة، وشوهد في مكتبة الفواطم قطع من الحرير الأزرق غريب الصنعة، فيها صورة أقاليم الأرض وجبالها وبحارها ومدنها وأنهارها ومساكنها، وأسماء طرائقها ومدنها، وجبالها، وبلادها، وأنهارها وبحارها.
وأنشئت في الأندلس مكتبات مهمة نقل إليها جزء كبير من كتب اليونان في أوروبا، وروى ابن خلدون أن خزانة العلوم والكتب بدار بني مروان كانت فهارسها في أربعة وأربعين مجلداً في كل مجلد عشرون ورقة ليس فيها إلا أسماء الكتب لا غير. وعرفت المكتبات العامة التي كانت مفتوحة للجمهور وتقدم لهم إضافة إلى الكتب الإرشاد والورق والحبر وأدوات الكتابة.
وذكر ياقوت أن عدد المكتبات في مرو في زمانه (أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الهجري) كانت عشر مكتبات في الجوامع والمدارس والخوانق أو في أبنية خاصة بها، وكان في ساوه مكتبة عامة جليلة وصفها ياقوت بأنها لم تكن في الدنيا أعظم منها.
وألحقت بالمدارس والمستشفيات مكتبات خاصة بها كان لها شأن عظيم في العلم والثقافة، ومن المدارس التي تحدث المؤرخون عن مكتباتها مدرسة نظام الملك السلجوقي في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، وهي التي سميت المدرسة النظامية في بغداد، ومن شيوخ هذه المدرسة الإمام الغزالي وقد زارها ابن جبير وابن بطوطة في رحلاتهما المشهورة، وقد وصف ماكنيسن مكتبة المدرسة النظامية بأنها إحدى أربع مكتبات كبرى في بغداد في العصور الوسطى، وتولى أمانة هذه المكتبة علماء كبار مثل الأسفرايني والأبيوردي، وهو صاحب مصنفات كثيرة، وقد وقف كثير من الخلفاء والعلماء لهذه المكتبة الأموال والكتب، مثل الخليفة الناصر لدين الله العباسي، ومحيي الدين بن النجار، مؤلف كتاب ذيل تاريخ بغداد، ويذكر ابن الأثير أن حريقاً شب في المدرسة سنة 510هـ فهب الفقهاء والتلاميذ جميعاً لنقل الكتب من المدرسة وسلمت جميعها، وفي هذا إشارة واضحة لمدى الحرص على سلامة المكتبة والكتب، وذكر ابن الجوزي (ت سنة 597هـ) في كتابه صيد الخاطر أنه نظر في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية فإذا به يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد.
وربما كانت المدرسة المستنصرية أشهر مدرسة في التاريخ الإسلامي، وقد أنشأها الخليفة في بغداد الخليفة العباسي المستنصر بالله، وكانت تدرس الفقه والطب والنحو والفلك والكيمياء وهي أقرب إلى الجامعة بالمفهوم الحديث، وكانت مكتبتها جميلة البناء، فقال ابن الفوطي أنها حوت كتباً نفيسة تضم من العلوم الدينية والأدبية، وقد وُضع فيها يوم افتتاحها ثمانون ألف مجلد وقد عمل ابن الفوطي المؤرخ المشهور مؤلف كتاب "الحوادث الجامعة والتجارب النافعة" عمل أمنياً لهذه المكتبة، وكان ابن الفوطي يعمل قبل ذلك خازنا لمكتبة مرصد مراغة التي كانت تضم أربعمائة ألف مجلد، لكن ابن الفوطي قال عن مكتبة المستنصرية أنها لم يكن أعظم منها في زمانها، وما زال بناء المستنصرية قائماً حتى اليوم في بغداد.
ولا ترقى المعلومات عن مكتبات المشافي إلى سعة وكثرة مكتبات المدارس ولكن المؤرخين تحدثوا عن مكتبات تابعة للمستشفى النوري في دمشق في أواخر القرن السادس الهجري، وذكر المقريزي عن مكتبة ملحقة بالبيمارستان المنصوري في القاهرة، وذكرت دائرة المعارف الإسلامية أن الكتب التي وجدت في مستشفى قلاوون في القاهرة بلغت حوالي مائة ألف مجلد.
وتعرض المصادر التاريخية وصفاً شاملاً لتنظيم المكتبات والعاملين فيها من المشرفين والخازنين والمناولين عدا العلماء والباحثين والمترجمين، وتدل الكتب الببلوجرافية التي ألفت على مستوى وطبيعة تنظيم المكتبات الإسلامية، مثل كتاب الفهرست لابن النديم الذي ألف في عام 377هـ، وإحصاء العلوم للفارابي، وكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لـ "حاجي خليفة" في القرن العاشر الهجري، ومفتاح السعادة ومصباح السيادة لـ "طاش كبري زارة" في القرن العاشر الهجري
========================
الكتب والمكتبات في الحضارة الإسلامية
السبت, 23 يونيو, 2007
إبراهيم غرايبة
¥