تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنسان له أب يحبه، يحترمه، ويقدره، سمع قصة عن أبيه لا تليق بأبيه، لأن ولاءه لأبيه يسعى إلى فهم الحقيقة، يسعى إلى التدقيق، لعلها قصة مفترات، لعل قصة مبالغ بها، لعلها قصة لم تقع أصلاً، يسأل أباه، يستوضح، يأتي بالدليل، شدة ولائه لأبيه يجعله يتريث في قبولها، بل يسعى إلى نفيها مع الدليل، لأنه يؤلمه أشد الألم أن يكون أبوه في هذا المستوى وهو يظنه بعيداً عن هذا المستوى، ولاء هذا الابن لأبيه جعله يتريث، ويبحث ويدرس، ويعلل، لأنه يحب أباه.

أما العدو حينما يسمع قصة مؤلمة عن إنسان يقبلها سريعاً من دون دليل، بل يروجها، بل يفرح لها.

هذه النقطة الدقيقة في حياة المؤمن، المؤمن ولاؤه لأمته، ولاؤه لدينها، ولاؤه لمستقبلها، يؤلمه ما يؤلمها، يفرحه ما يفرحها، يدافع عنها، قد يسعى إلى تبرير سلبياتها لا مبالغة ولكن واقعاً، قد يسعى إلى كشف الحقائق التي تخفى عن أعدائها، هو يروج لماضيها الذي شرفت به.

بطولة الإنسان أن يكون ولاؤه لأمته و للمؤمنين:

أيها الأخوة، موضوع الولاء والبراء موضوع دقيق هو موضوع الانتماء في الحقيقة، فحينما ينتمي الإنسان لأمته فإذا ذهب إلى بلاد الغرب هناك إيجابيات، وهناك سلبيات، لا مانع من ذكر الإيجابيات، ولكن الذي ينتمي لأمته يرى أيضاً السلبيات، يرى الأشياء المؤلمة جداً، فإذا عاد إلى بلده ذكر الإيجابيات والسلبيات، أما هناك أناس انعتقوا من أمتهم، وذهبوا إلى بلاد الغرب لا يرون إلا الفضائل، والدقة، والنظام، والتفوق، والتقنية، ويتعامون عن كل الرذائل التي صادفتهم هناك، فإذا جاؤوا إلى بلدهم نسوا فضائل هذه الأمة، نسوا تماسك الأسرة، نسوا الرحمة التي بين أفرادها، نسوا إيجابياتها، وروجوا سلبياتها.

فالبطولة أن يكون لك ولاء لأمتك، هذا الولاء لا يعني أن تسكت عن الخطأ ولكن يعني أن تحاول إصلاح الخطأ، هذا الولاء لا يعني أن تنتقص من أعدائها بلا مبرر ولكن إذا كان هناك أخطاء فادحة عند أعدائها ينبغي أن تبينها، من أجل التوازن، فالولاء والبراء تؤكده آيات كثيرة في القرآن الكريم، من هذه الآيات:

(سورة النوبة).

وهناك آية ثانية:

(سورة الممتنحة الآية: 13).

ليكن ولاؤكم للمؤمنين، ليكن ولاؤكم لأمتكم، ? لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ?.

على الإنسان أن يكون رجل مبدأ لا يُغيّر قناعته أبداً:

لذلك الإنسان حينما يكون رجل مبدأ، حينما تحكمه القيم، ويحتكم إليها، لا يسخر منها ولا يسخرها، حينما تحكمه القيم، ويحتكم إليها، ولاؤه للحق، ولاؤه للمبادئ، ولاؤه للقيم، لا يباع، ولا يشترى، هو يسمى الآن رقماً صعباً، وأي إنسان غيّر قناعته بمبلغ من المال مهما كان كبيراً سقط من عين الله، وسقط من منظومة القيم الإنسانية.

أيها الأخوة الكرام، مرة كان أبو حنيفة النعمان عند المنصور، وعنده قاض من ألد أعدائه، أراد هذا القاضي أن يحرجه حرجاً شديداً، سأله إذا أمرني الخليفة بقتل امرئ أأقتله أم أتريث؟ لأن ولاؤه للحق ألهمه الله إجابة رائعة، قال له: الخليفة على الحق أم على الباطل؟ فوقع هذا القاضي بحرج شديد، قال: الخليفة على الحق، قال له: كن مع الحق حيثما كان، فلما خرج من مجلسه قال أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى: أراد أن يقيدني فربطته.

يعني المؤمن ولاؤه للحق، لا ينطق بكلمة تسبب له متاعب مع الله عز وجل، ولا ينطق بكلمة لا تكون واقعية ولا صحيحة.

ولاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى قومه و التماس الأعذار لهم:

أيها الأخوة الكرام، هناك ولاء مؤلم جداً، النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الطائف، يدعو أهل الطائف إلى الإسلام، إلى سعادة الدنيا والآخرة، كذبوه، وسخروا منه وبالغوا بإيذائه، فجاءه ملك الجبال ليمكنه أن ينتقم منهم، قال ملك الجبال: أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك:

((إن شئت أطبق عليهم الأخشبين، قال: لا يا أخي، اللهم اهدِ قومي ـ هذا الولاء الصعب، هذا الولاء الذي معه الوفاء ـ اللهم اهدِ قومي إنهم لا يعلمون، أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)).

[متفق عليه عن عائشة]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير