ومن هذا الباب وهو باب الضَّعف؛ العَلّ من الرجال: المُسِنّ الذي تضاءل وصَغُر جسمه. وقال ابن الأعرابي: العَلّ الضعيف من كبر أو مرض ().
وصيغة الصفة من العلة بمعنى المرض: معتل كما سبق وهو من اعتلَّ.
وقال الفيروزابادي: والعِلة بالكسر المرض. علَّ يَعِلُّ واعتلَّ، وأعلّه الله فهو مُعَلّ وعليل، ولا تقل: معلول. والمتكلمون يقولونها ولست منه على ثَلَجٍ ().
وذكر ابن منظور كلمة "معلول" بمعنى المصاب بالعلة، ثم قال: والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول في مثل هذا كثيراً.
قال ابن سِيده: وبالجملة فلستُ منها على ثقة ولا على ثَلَج، لأن المعروف إنما هو أعلَّه الله فهو مُعَلّ، اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم: مجنون ومسْلول من أنه جاء على جَنَنْتُه وسَلَلْتُه ().
وقد تَبع ابنَ سيده فيما يظهر الفيروز آبادي، فقال في "القاموس": ولا تقل: معلول، والمتكلمون يقولونها ولستُ منه على ثلَج ().
ووافق ابن الصلاح على تخطئة إطلاق معلول على الحديث الذي فيه عِلّة حيث قال: ويسميه أهل الحديث "المعلول" وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: العلة، والمعلول مرذول عند أهل اللغة والعربية ().
وكذلك لحَّنه النووي في تقريبه ().
ولكننا نقول: إن استعمال أهل الحديث كلمة المعلول بالمعنى الذي أرادوه ليس مخالفاً للغة، لأنه قد استعملها أبو إسحاق الزجاج اللغوي في علم العروض قريباً من المعنى الذي عناه أهل الحديث ().
ونقل الشيخ طاهر الجزائري عن ابن القوطية () وهو من أهل اللغة: عَلّ الإنسان: مَرِضَ، والشيءُ أصابته العلة، فيكون استعماله بالمعنى الذي أرادوه غير منكر، بل قال بعضهم: استعمال هذا اللفظ أولى لوقوعه في عبارات أهل الفن مع ثبوته لغةً، ومَنْ حفظ حجة على من لم يحفظ ().
وأما استعمال أهل الحديث "معلول" الذي أشار إليه من أشار فهو كما أشار ().
والعلة في اصطلاح أهل الحديث:
بمعنى فن خاص من فنون المصطلح، فهي عبارةٌ عن أسباب خفية قادحة في صحة الحديث، مع أن ظاهره السلامة منها، ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر ().
أو نقول: العلة في اصطلاح أئمة الحديث: عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت على الحديث فأثرت فيه، أي: قدحت في صحته ().
وأما بالمعنى العام فتطلق العلة على كل سبب جارح قادح في صحة الحديث سواء كان ظاهراً أم خفياً.
قال ابن الصلاح: ((قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف. المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ "العلة" في الأصل؛ ولذلك نجد في كتب الحديث الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح، وسمَّى الترمذي النسخ علة من علل الحديث.
ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال: من أقسام الصحيح على ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم: من الصحيح ما هو شاذ)) ().
الفصل الثاني: في أقسام العلة
قال ابن الصلاح: ((ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو الأكثر، وقد تقع في متنه، ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعاً، كما في التعليل بالإرسال والوقف. وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن)) ().
قال ابن حجر في نكته: ((إذا وقعت العلة في الإسناد قد تقدح، وقد لا تقدح، وإذا قدحت فقد تخصه، وقد تستلزم القدح في المتن، وكذا القول في المتن سواء. فالأقسام على هذا ستة:
1 - فمثال ما وقعت في الإسناد ولم تقدح مطلقاً: ما يوجد مثلاً من حديث مدلّس بالعنعنة، فإن ذلك عِلَّةٌ تُوجِبُ التوقف عن قبوله، فإذا وجد من طريق أخرى قد صرح فيها بالسماع تبين أن العلة غير قادحة.
وكذا إذا اختلف في الإسناد على بعض رواته، فإن ظاهر ذلك يوجب التوقف عنه، فإن أمكن الجمع بينهما على طريق أهل الحديث بالقرائن التي تحفّ الإسناد تبين أن تلك العلة غير قادحة.
¥