وقال الإمام أحمد: كنت أنا وعلي بن المديني فذكرنا أثبت من يروي عن الزهري فقال: علي: سفيان بن عيينة، وقلت أنا: مالك بن أنس وقلت: مالك أقل خطأ عن الزهري وابن عيينة يخطئ في نحو من عشرين حديثاً عن الزهري في حديث كذا وحديث كذا فذكرت منها ثمانية عشر حديثاً، وقلت هات ما أخطأ فيه مالك، فجاء بحديثين أو ثلاثة، فرجعت فنظرت فيما أخطأ فيه ابن عيينة فإذا هي أكثر من عشرين حديثاً.
وفي كتاب التمييز للإمام مسلم أمثلة كثيرة وفيرة لهذا الجانب.
قال الإمام مسلم: ((ذكر الأخبار التي نقلت على الغلط في متونها.
حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر، قالا: ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجراً أبا العنبس يقول: حدثني علقمة بن وائل، عن وائل، عن النبي ?. وثنا إسحاق، أنا أبو عامر، ثنا شعبة عن سلمة، سمعت حجراً أبا العنبس يحدث عن وائل بن حجر، عن النبي ? بهذا الحديث. كلهم عن شعبة، عن سلمة، عن حجر، عن علقمة، عن وائل، إلا إسحاق عن أبي عامر، فإنه لم يذكر علقمة، وذكر الباقون كلهم علقمة.
قال مسلم: أخطأ شعبة في هذه الرواية حين قال: وأخفى صوته ().
وسنذكر إن شاء الله رواية من حديث شعبة فيها فأصابه.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم، فقالوا: ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل قال: سمعت النبي ? قرأ ((ولا الضالين)) قال: "آمين". يمد بها صوته)) ().
ثم ذكر رواية أخرى قال: حدثنا أبو كريب ثنا أسود بن عامر، ثنا شريك، عن سماك، عن علقمة، عن أبيه قال: سمعت رسول الله ? يجهر بآمين.
وقد روى عن وائل ما يدل على ذلك ().
يشير به الإمام مسلم إلى ما أخرجه الدارقطني، فقد روى فيه عبدالجبار ابن وائل عن أبيه وفيه مد بها صوته ().
ثم ذكر الإمام مسلم شاهداً مخالفاً لرواية شعبة فقال: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة، أنهما أخبراه عن أبي هريرة، أن رسول الله ? قال: ((إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له)) ().
الباب الثاني
في ذكر أمثلة تطبيقية للعلل في الحديث في ضوء شروط الصحيح
الفصل الأول: في ذكر أمثلة للأحاديث التي وقعت العلة فيها في معرفة العدل من غيره
مثال العلة في معرفة الراوي العدل من غيره.
ما ذكره العلامة المحدث محمد ناصر الدين في سلسلته الضعيفة حديث: ((اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر)) ثم قال: موضوع، أخرجه ابن أبي عاصم في الأوائل رقم (93) حدثنا دحيم، ثنا عبدالله بن يوسف عن الهيثم بن حميد قال: سمعت رجلاً يحدث مكحولاً عن أبي أمامة قال قال رسول الله ? فذكره.
قلت: هو إسناد ضعيف رجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم.
والحديث قال المنذري في الترغيب (1: 88): "رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به"
وقال الهيثمي في المجمع (1/ 209): " رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون ".
قلت: في قوليهما إشعار لطيف بأن إسناده لا يخلو من ضعف ولا سيما قول الهيثمي: " ورجاله موثقون " فإنه لا يقول هذا عادة إلا فيمن كان فيه توثيق غير معتبر.
فقول المناوي في "فيض القدير": رمز المصنف لحسنه وهو أعلى من ذلك، ثم ذكر قول المنذري والهيثمي المتقدم فأقول: إنه لا وجه لتحسينه بله تصحيحه لما ذكرنا، ومن المؤسف أن الجزء الذي فيه مسند أبي أمامة من المعجم الكبير ليس في المكتبة الظاهرية عمرها الله تعالى؛ ولذلك فإني غير مطمئن لتحسين السيوطي للحديث فضلاً عن تصحيح المناوي له، ولا سيما مع كشف إسناد ابن أبي عاصم عن علته. والله أعلم.
ثم طبع المعجم الكبير بهمة أخينا الشيخ حمدي عبدالمجيد السلفي فرأيت الحديث فيه (8/ 157) (رقم 7605)، قال: حدثنا بكر بن سهل، ثنا عبدالله بن يوسف بإسناده المتقدم عن ابن أبي عاصم.
وبهذا الإسناد أخرجه الطبراني أيضاً في مسند الشاميين (ص655) وقد عرفت علته وهي الرجل الذي لم يسم، وقد سماه إسماعيل بن إبراهيم فقال: ثنا أيوب عن مكحول به.
أخرجه الطبراني أيضاً رقم (7607) وإسماعيل هذا هو أبو إبراهيم الترجماني وهو من رجال النسائي وقال هو وغيره: لا بأس به.
وشيخه أيوب هو ابن مدرك الحنفي كما في الميزان، وقال: قال ابن معين: ليس بشيء وقال مرة: كذاب، وقال النسائي وأبو حاتم: متروك.
¥