وبهذا يتبين خطأ قول المنذري والهيثمي المتقدم، بله ميل المناوي إلى تصحيحه، فقد تبين أن الرجل الذي لم يسم في الطريق الأولى إنما هو أيوب ابن مدرك في الطريق الأخرى وهو متهم ولعل المناوي تبين له هذا الذي ذكرته بعد الذي قاله في الفيض فقد رأيته بيض للحديث في التيسير ولم يحسنه، ومنشأ هذا الخطأ في نقدي: أنهم رأوا (أيوب) هذا جاء في السند غير منسوب، فتوهموا أنه أيوب بن أبي علقمة، وهو ثقة حجة، وساعدهم على ذلك أنهم رأوا الراوي عنه إسماعيل بن إبراهيم، فتوهموا أيضاً أنه إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) وهو ثقة حافظ؛ لأنهم رأوا في ترجمته أنه روى عن أيوب وهو السختياني وكل ذلك خطأ، وإنما هذا أبو إبراهيم الترجماني كما تقدم وشيخه أيوب هو ابن مدرك، وليس السختياني كما جاء مصرحاً بهذا كله في الطبراني في حديث آخر قبل هذا.
وقال أيضا: ً ثم إن للحديث علة أخرى عند ابن حبان ألا وهي الانقطاع. فقد قال في ترجمة ابن مدرك هذا من كتابه الضعفاء (1: 168) يروي المناكير عن المشاهير ويدعي شيوخاًلم يرهم ويزعم أنه سمع منهم روى عن مكحول نسخة موضوعة ولم يره.
ثم قال الشيخ: واعلم أيها القارئ الكريم أن مثل هذا التحقيق يكشف لطالب هذا العلم الشريف أهمية تتبع طرق الحديث، والتعرف على هوية رواته، فإن ذلك يساعد مساعدة كبيرة جداً على الكشف عن علة الحديث، التي تستلزم الحكم على الحديث بالسقوط " ().
وعكسه قد يكون الراوي ثقة فيظنه البعض ضعيفاً؛ لاشتباهه ولاشتراكهما في الاسم، وبخاصة إذا ورد غير منسوب إلى أبيه أو إلى ما يميزه عن سميه، ذكر السيوطي عن ابن فيل في جزئه حديثاً من طريق المؤمل بن إسماعيل عن عبدالكريم عن مجاهد عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله ?: ((لا يدخل الجنة عاق، ولا منان، ولا مرتد أعرابياً بعد هجرة، ولا ولد زنى، ولا من أتى ذات محرم))، ثم قال: لا يصح، عبدالكريم متروك " ().
وهنا ذهب ظن السيوطي أن عبدالكريم هو ابن أبي المخارق وهوضعيف وله فيه عذره، فهو ليس منسوباً. وهذا الموضع يشتبه الأمر على كثيرين، وإنما كان يعرف عبدالكريم بوجهه الصحيح بعد التتبع وبعد الجمع لطرق الحديث.
فقد ظهر بعد التتبع أن تعيينه بعبدالكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف خطأ، وإنما هو عبدالكريم بن مالك الجزري الثقة المشهور، وقد جاء مصرحاً بنسبه عند أبي نعيم في الحلية، فقد رواه من طريق مؤمل أيضاً، ثنا سفيان عن عبدالكريم الجزري عن مجاهد عن عبدالله بن عمرو به.
وهذا النوع من الخطأ خطير جداً، فإذا توهم الراوي في تعيين الراوي فقد ينقلب الإسناد من الضعف إلى الصحة وبالعكس، كما هو واضح ومغبته واضحة.
وروى الإمام أبو عبدالله بن ماجه حدثنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن شعيب بن شابور حدثنا عبدالرحمن بن يزيد عن جابر عن سعيد بن أبي سعيد أنه حدثه عن أنس بن مالك قال: إني لتحت ناقة رسول الله ? يسيل عليّ لعابها فسمعته يقول: ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث)) قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (3: 144): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، ومحمد بن شعيب وثقه دحيم وأبو داود، وباقي الإسناد على شرط البخاري.
ولكن قال ابن حجر في "النكت الظراف" في الكلام على ترجمة الحافظ المزي لسعيد بن أبي سعيد المقبري:
قلت: وهو سعيد بن أبي سعيد الساحلي شامي، وأما المقبري فهو مدني، وقد أوضحت ذلك في التهذيب.
وفي حاشية "تحفة الأشراف" حاشية بخط ابن عبدالهادي: سعيد بن أبي سعيد راوي هذه الأحاديث عن أنس ليس هو المقبري أحد الثقات، وإنما هو الساحلي وهو غير محتج به كذلك جاء مصرحا به عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر ().
ومن أمثلة العلة في تعيين العدل من غيره:
ما جاء في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ? قام يوم فتح مكة فقال: ((لا يتوارث أهل ملتين المرأة ترث من دية زوجها وماله وهو يرثها من ديتها ومالها مالم يقتل أحدهما صاحبه عمداً، فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً لم يرث من ديته وماله وإن قتل صاحبه خطأً ورث من ماله ولم يرث من ديته)).
أخرجه ابن ماجه وابن الجارود في المنتقى والدارقطني في سننه والبيهقي ().
كلهم من طريق الحسن بن صالح عن محمد بن سعيد عن عمرو بن شعيب قال: أخبرني أبي عن جدي عن عبدالله بن عمرو بن العاص.
¥