لقد كانت الرؤيا وتأويلها محورالقصة , مقدمة وخاتمة ودارت عليها معظم الأحداث والمشاهد كما أن الرؤيا تعددت فيها وتكررت (رؤيا يوسف – رؤيا الصاحبين – رؤيا الملك) وكان من الممكن أن يختار الله سبحانه وسائل أخري غيرها تكون أقوى بلاغاً وأعظم شأناً كالوحى مثلاً ويعقوب ويوسف كانا من الأنبياء ... لكن أن يأتى الإنباء من الله بأضعف طرقه وآخرها شأناً ومن صبى صغير لا يزال فى عالم اللعب والأحلام أومن رجال غير مؤمنين يجعل السامع يفكر فى الأمر لعله يتدبر الحكمة فى ذلك ومن الحكمة أن الله ذا الشأن العظيم ينبه أحياناً إلى عظيم أمره بأن يأتى بأضعف وسيلة فيجعل منها أعظم عبرة والمثل يقول (يضع سره فى أضعف خلقه) ليذكرنا بأن سرالعظمة فى الخالق لا المخلوق وأن القدرة والعلم والحكمة هى فى فاعليته هو سبحانه لا فى طبيعة الفعل والمفعول < o:p>
إن سرالعظمة والقدرة وعلو الشأن والقيمة ليست فى المخلوق نفسه مهما كان بل فى الله سبحانه الخلاق فى طلاقة قدرته وبدائع صنعه وكمال علمه وحكمته.< o:p>
لقد جاءت الرؤيا فى سورة يوسف لتؤكد أن الفاعلية الحقة هى لله سبحانه وأن هذه الفاعلية قد تأتى من غير سبب أوبسبب ... وقد تظهر فى أى سبب وفى أضعف سبب فالعبرة إذن ليست فى السبب ذاته بل فى خالق السبب.< o:p>
{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ* قَالَ يا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِين* وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} < o:p>
لما قص يوسف الرؤيا على أبيه ... علم أبوه ان الرؤيا حق وصدق ... وأدرك الأب الرحيم والنبى الكريم أن رؤيا ابنه عظيمة الأهمية وبالغة الأثرعلى يوسف أولاً وعلى إخوته وأسرته ثانياً وأن لهذا الصبى شأناً عظيماً ومقاماً رفيعاً فى الأرض وسمواً وعلواً على إخوته ... لذا أراد أن يسد الذرائع على أبنائه وأن يقى ابنه من أخطر عدوين:< o:p>
شرالناس (حسد الأخوة) - شرالشيطان (عدو الناس) < o:p>
إن نعمة الله علي يوسف الذى أنعم عليه بالخلق والرزق تتم بالهدى والدين كما أتمها بذلك على آل يعقوب وعلى آبائه إبراهيم واسحاق من قبل وفى ذلك إشارة إلى أن من فضل الله ورحمته أن جعل صلاح الآباء المؤمنين يفيض خيره ويمتد إلى ذرياتهم المؤمنة فى الدنيا والآخرة ومن أمثلة ذلك قصة اليتيمين أصحاب الكنز فى قصة العبد الصالح مع موسي عليه السلام فى سورة الكهف ... فصلاح أبيهما فاض وامتد إليهما من بعد موته.< o:p>
2. مؤامرة الحاسدين: (الآيات7 - 10) < o:p>
{ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِّلسَّآئِلِينَ* إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ* اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِاطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ* قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} < o:p>
بعد ذكرالرؤيا ودلالاتها والتى جاء بها فاتحة للقصة كونها محورها ... وبعد أن عرف بيوسف كونه بطل القصة وعلمها ... عاد للقصة فى تسلسلها الطبيعى وقدم ذكر يوسف وإخوته إذ هم القاسم المشترك فى جميع أحداثها مبرزاً الحكمة منها والمقصد فهى آيات للسائلين فهى ليست للترفيه والتسلية كشأن كثير من القصص الإنسانية بل هى منارات ومعالم علم وحكمة ... ومن حكمتها وعبرها أنها أظهرت مثلاً من أمثلة نبتة السوء فى النفس الإنسانية تنبت فى الأرض الطيبة.< o:p>
ثم بينت الآيات أن هناك أخوة من أب واحد غير أشقاء وأنهم فريقان:< o:p>
· فريق يوسف وأخيه (أخوين شقيقين).< o:p>
¥