تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أيها المسلمون، في أُحد شُجّ النبي وكسرت رَباعيته، وقتل حمزة أسد الله، وانقلب النصر إلى هزيمة؛ كلّ ذلك بسبب مخالفةٍ واحدة لأمر من أوامر الرسول وبتأويل واجتهاد. إذًا فكيف يريد المسلمون نصرا وتأييدا من الله ويرددون: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد: 7] وهم غرقى في الذنوب والمعاصي إلا من رحم الله؟!

إن الأمة اليوم ردّدت وذكرت الجزاء والجواب ونست شرطه. إن الواقع يثبت أن الكثير اليوم يحب الدنيا ويكره الموت ولم يستعد للجهاد، حال المسلمين اليوم إلا من رحم الله ليالٍ حمراء، سهرٌ وغِناء، فضائيات ومسلسلات ونساء متبرجات، أتُنصر الأمة اليوم بغناء من فنان أو بمسلسل خالع أو بطرحٍ ممن لا يعرف الله طرفة عين؟!

إن الذنوب والمعاصي ـ يا عباد الله ـ سبب لكل بلاءٍ وشر ومحنة، فبالمعصية تبدّل إبليس بالإيمان كفرًا، وبالقرب بعدًا، وبالرحمة لعنة، وبالجنة نارًا تلظى. وبالمعصية عم قوم نوحٍ الغرق، وأهلكت عادٌ بالريح العقيم، وأخذت ثمود بالصيحة، وقُلّبت على اللوطية ديارهم، فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40]. إنها الحقيقة الصارخة: فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ.

تلكم الذنوب يا عباد الله، وتلكم عواقبها، وما هي من الظالمين ببعيد. ما ظهرت المعاصي في ديارٍ إلا أهلكتها، ولا تمكّنت من قلوب إلا أعمتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، فلا تفارقها حتى تدع الديار بلاقع.

أيها المسلمون، إن للمعاصي شؤمها، ولها عواقبها في النفس والأهل، في البر والجو، تَضلّ بها الأهواء، وتفسد بها الأجواء، بالمعاصي يهون العبد على ربه، فيرفع مهابته من قلوب خلقه، وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج: 18]. قال الحسن رحمه الله: "هانوا عليه فعصَوه، ولو عزّوا عليه لعصمهم". بسبب الذنوب والآثام والمعاصي والإجرام يكون الهم والحزن والذل والهوان، بالمعاصي تزول النعم وتحل النقم وتتحول العافية ويستجلب سخط الجبار.

إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تُزيل النعم

وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم

وإياك والظلم مهمااستطعت فظلم العباد شديد الوخم

وسافر بقلبك بين الورى لتبصر آثار من قد ظلم

يا عبد الله، انتبه لهذه الحقيقة؛ إن العبد إذا ابتلي بالمعاصي استوحش قلبه، وضعفت بأهل الخير والصلاح صلته، قلت طاعته لربه، واستحوذ عليه شيطانه. وحتى تعلم أن الأمة انهمكت في المعاصي واستهوَت الذنوب إلا ما رحم ربي فتأمل وانظر لواقعنا اليوم، فلقد فشا فينا أنواع من الذنوب والآثام والسيئات والإجرام، بل أصبحت عند كثيرٍ منا أمرًا طبيعيًا، كثر الإمساس فقلّ الإحساس، فلقد فشا فينا الربا والزنا، وشُربت الخمور والمسكرات، وأُدمنت المخدرات، كثر أكل الحرام، وتنوعت الحيل فيه؛ شهادات باطلة، وأيمان فاجرة، وخصومات ظالمة، ارتفعت أصوات المعازف والمزامير، وفشت رذائل الأخلاق ومستقبح العادات في البنين والبنات، وانتشر بيننا الحسد والبغضاء، لا لشيء إنما لأمر الدنيا، حتى نجد الرجل يبغض الرجل ولا يسلّم عليه من أجل هواه ودنياه ولا حول ولا قوة إلا بالله، أصبحت الأمة مخدَّرة بكأس غنائية وأمور تافهة ساقطة، بل تأمّل فيما يبثّ عبر شاشات الفضائيات؛ سهر وفجور، وآثام وذنوب، وقلة حياء وفساد، واهتمام كثير من الناس بها، فماذا يعني كل ذلك؟!

إن آثار الذنوب والمعاصي كثيرة، ولقد عدّ الكثير منها ابن القيم في كتابه القيّم الداء والدواء، فليُرجع له فهو مفيد في بابه.

بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بما فيهما من الهدى والبيان، وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات، إن ربي قريب مجيب.

الخطبة الثانية

الحمد لله، من تمسك بهديه قرّبه وأدناه، ومن خالف أمره أبعده وأقصاه، أحمده سبحانه لا يذلّ من والاه، ولا يعزّ من عاداه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا ربّ سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اجتباه ربه واصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير