تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال عنه أبو العباس القرطبي في المفهم: وهذا هو الصحيح من مذهب مالك وغيره من المحققين. وهو الذي نصره محمد الأمين الشنقيطي حين قال: والرواية الصحيحة عن مالك رواية المدنيين أن خبر الواحد مقدم على القياس ..... ومسائل مذهبه تدل على ذلك.

ج- وروي عنه أنه كان يُقدم على الخبر قياس الأصول. وهو القياس القطعي. واختار هذا من المالكية أبو بكر الأبهري.

هذا رأي الإمام مالك نفسه. أما الأصوليون من أصحابه، فقد اختلفوا في المسألة أيضاً:

أ- ذكر القرافي أن القاضي عبد الوهاب حكى أن خبر الآحاد إذا خالف الأصول قبله المتقدمون من المالكية.

ب- نقل الفهري عن بعض المالكية أنهم يُقدمون قياس الأصول على الخبر المخالف له. وإليه مال القاضي أبو الفرج وأبو بكر الأبهري وغيرهما من المالكية.

ج- حكى القاضي عياض في التنبيهات، وابن رشد في المقدمات قولين في مذهب مالك في الخبر المخالف للقياس: تقديم الخبر. وتقديم القياس. ومن شيوخ المذهب من يقول: إن في المدونة ما يدل على القولين معاً: تقديم الخبر. وتقديم القياس. أما ما يدل على تقديم الخب، فمسألة المصراة. وأما ما يدل على تقديم القياس، فمسألة ولوغ الكلب في الإناء.

الأمر الثاني: القياس الذي يقصدونه: القياس الشرعي. أو القياس بمعنى القواعد والأصول.

اختلط الأمر على الأصوليين في تحديد القياس الذي روي أن مالكاً يُقدمه على الخبر. ولعل أول من وصلنا منه كلام يفيد هذا المعنى أبو الحسن ابن القصار (ت 397هـ)

ومما يقوي أن ابن القصار يقصد في هذا النص القياس الشرعي احتجاجه بقوله: والحجة له هي أن خبر الواحد لما جاز عليه النسخ والغلط والسهو والكذب والتخصيص، ولم يجز على القياس من الفساد إلا وجه واحد؛ وهو أن الأصل معلول بهذه العلة أو لا. وصار أقوى من خبر الواحد، فوجب تقديمه عليه.

وهذا التعليل للقياس المقدم على الخبر لا يصدق إلا على القياس الشرعي. ويظهر أن هذا الرأي من ابن القصار هو معتمد من جاء بعده من المالكية الذين فسروا القياس المقدم على الخبر بالقياس الشرعي؛ لأن هؤلاء لم يلبثوا بعد أن ساقوا المذهب المقرر أن يوردوا الحجة نفسها. كابن رشد والقرافي ومحمد الولاتي.

وأنكر أبو المظفر السمعاني، ويربأ بمالك ومنزلته في العلم أن يصدر عنه مثل هذا القول. فقال معلقاً على هذه الرواية: وهذا القول بإطلاقه سمج مستقبح عظيم. وأنا أُجل منزلة مالك عن مثل هذا القول، وليس يدري ثبوت هذا منه.

وأنا أميل إلى ما ذكره ابن السمعاني. إذ الظاهر أن هذا القول لا تصح نسبته لمالك، وإن اشتهر بين الأصوليين، ويمكن الاستدلال على ذلك بما يأتي:

أولاً: جاء في المدونة التصريح بخلاف هذا المذهب. وذلك في المسألة أنه أملك بها ما دامت في عدتها، لورود الأخبار بذلك. إلا أن سحنوناً اعترض على هذا الجواب بقياس مفاده: أن النصراني لا يحل له نكاح مسلمة ابتداء. فأجابه ابن القاسم بقوله: جاءت الآثار أنه أملك بها ما دامت في عدتها إن هو أسلم. وقامت به السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم. فليس لما قامت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم قياس ولا نظر.

ويؤكد هذا قول مالك في العتبية: إن السنة تمضي ولا تعارض برأي.

ثانياً: أنه قد يتعذر على الباحث في فقه مالك أن يعثر على مسألة ترك فيها مالك خبر الآحاد بدعوى مخالفته للقياس

الشرعي.

ولعل هذا ما حدا بالشيخ محمد الأمين الشنقيطي إلى القول بعد سوق هذا المذهب: لكن فروع مذهبه تقتضي خلاف هذا. وأنه يقدم الخبر على القياس .... وهذا الذي يدل عليه استقراء مذهبه.

المبحث الخامس: تحقيق مذهب مالك في الخبر إذا خالف القياس:

لا يُنازع أحد في أن مالكاً كان في بعض الأحيان يرد الخبر بالقياس. ولكن النزاع في كون ذلك أصلاً من أصوله يجب تطبيقه على كل حادثة يتعارض فيها خبر الواحد مع القياس؛ وفي كون القياس الذي رد به الخبر قطعياً أو ظنياً.

والذي عليه المعول في هذه المسألة. وتصح نسبته إلى الإمام. ويتفق وإمامته في السنة ومكانته في الاجتهاد. ويصدع به محققو مذهبه؛ أن مالكاً رحمه الله لم يرد الخبر لمطلق القياس كما تشير إليه عبارة جمهور الأصوليين حتى من المالكية، وإنما رده بشرطين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير