الشرط الأول: أن يكون القياس معتمداً على أصل قطعي، وقاعدة مقررة لا مجال للريب فيها. وهذا المبدأ مستقيم؛ لأن القياس المبني على قاعدة قطعية يكون قطعياً، وخبر الآحاد يكون ظنياً. وإلى هذا المبدأ أشار الشاطبي بقوله: الظني المعارض لأصل قطعي، ولا يشهد له أصل قطعي فمردود بلا إشكال. ومن الدليل على ذلك أمران: أحدهما: أنه مخالف لأصول الشريعة. ومخالف أصولها لا يصح؛ لأنه ليس منها. وما ليس من الشريعة كيف يعد منها. والثاني: أنه ليس له ما يشهد بصحته. وما هو كذلك ساقط الاعتبار. الشرط الثاني: أن يكون الخبر غير معاضد بقاعدة أخرى؛ أي بأصل آخر. فمتى توفر الشرطان معاً قُدم القياس على الخبر، لكون القياس حينئذ قطعياً، وخبر الآحاد ظنياً. والظني لا يُقاوم القطعي اتفاقاً.
والذي حقق هذه المسألة، وضبط أصلها؛ وحكم هذا الأصل في الفروع المأثورة عن الإمام، رافعاً بذلك التناقض الذي قد يبدو في بعضها؛ هو القاضي أبو بكر ابن العربي غير معاضد بقاعدة أخرى قطعية. ثم جاء شيخ المقاصد، أبو اسحاق الشاطبي، الذي أدرك نفاسة هذا الأصل، وأهميته في تأصيل فروع المذهب المالكي، والتقارب بين المتماثل من مسائله، وإزالة التنافر الظاهر من بعضها ... ، ليتمسك بهذا الأصل، ويُرجع إليه كثيراً من المسائل التي قيل إن المالكية تركوا فيها الأخبار لمنافتها للقياس.
فالإمام مالك – إذن – لا يترك خبر الآحاد إلا إذا لم يعتضد بأصل آخر. وعارضه في الوقت نفسه أصل قطعي. أو ما يعود إلى أصل قطعي. وهو القواعد المستخلصة من مجموع آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الصحيحة. أو بعبارة أخرى: ما ثبت بالاستقراء لنصوص الشرع وأحكامه في فروع مختلفة أنها قواعد مقررة ثابتة من غير شك ولا ريب.
وبهذا الأصل يصعب الإقرار بما تشير إلى ترجيحه عبارة القرافي في التنقيح، وهو تقديم القياس على خبر الآحاد على الإطلاق. بل الثابت أن القياس يُقدم على خبر الآحاد إذا اعتمد على قاعدة قطعية، ولم يكن الخبر معاضداً بقاعدة أخرى قطعية.
وبهذا يتجلى – أيضاً – أن القياس الذي يقصده مالك؛ هو القياس بمعنى القاعدة العامة؛ أي مجموعة الأصول الثابتة، والقواعد المرعية في الشريعة، والمستقاة من الأدلة المتضافرة.
وعلى ضوء هذا المنهج الذي سار عليه إمام دار الهجرة في العمل بالأدلة، يمكن تخريج الفروع التي أُثر عنه تقديم الخبر على القياس. والفروع التي أُثر عنه تقديم القياس فيها على الخبر.
وقد مثّل العلامة مولاي الحسين الحيان رحمه الله على تقديم الخبر على القياس بمسألتين هما: العرايا و المصراة.
ومثّل على تقديم القياس على الخبر بمسألة ولوغ الكلب في الإناء وقضاء من أفطر ناسياً في رمضان.
منقول
http://www.mmf-4.com/vb/t5088.html
ـ[الطيماوي]ــــــــ[08 - 05 - 10, 02:23 م]ـ
للرفع والافادة بارك الله فيكم
ـ[الطيماوي]ــــــــ[08 - 05 - 10, 02:29 م]ـ
ما اسم المرجع الذي لخصت منه وبطاقته حتى ارجع اليها واوثق المعلومات وبارك الله فيك
موقف الإمام مالك من معارضة القياس للسُّنة الأحادية
كتبت هذا ولخصته من كلام العلامة مولاي الحسين بن الحسن الحيان رحمه الله وذلك لما رأيت من متانة بحثه في ذلك، ونصرة للإمام مالك ومذهبه الذي أتبناه وأتعبد الله به.
وكنت قد لخصت من زمن من نفس الكتاب مسألة عمل أهل المدينة.
تنبثق فكرة هذا الفصل عن تعارض أصلين أساسيين هما: خبر الآحاد والقياس. وقد اشتهر- في معظم كتب الأصول- أن إمام دار الهجرة كان يُقدم القياس على خبر الآحاد متى تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما. وأن ذلك خاص بمذهبه. ومعلوم أن مرتبة القياس- في الاحتجاج- متأخرة عن مرتبة السنة. فكيف ساغ لإمام دار الهجرة أن يُقدمه عليها؟
هذا ما دعاني إلى اختصار هذا الفصل لبحث هذه المسألة، وتحقيق مذهب مالك فيها.
المبحث الأول: تحديد المراد بالقياس هنا:
أ- القياس في اللغة:
يُطلق القياس في اللغة على معنيين:
أحدهما: التقدير: وهو قصد معرفة أحد الأمرين بالآخر.
وثانيهما: المساواة: وهي عبارة عن رد الشيء إلى نظيره.
ب- القياس في الاصطلاح:
يُطلق القياس في الاصطلاح؛ ويُراد منه عدة معان. يهمنا منها هنا معنيين فقط:
¥