كثرة الأنواع التي تضمنها واختلاف جهاتها ـ وفي البعض تنبيه لطيف على الكل ـ والغرض أن يكون الناظر في الترجمة على بصيرة ما يتضمنه الكتاب في الجملة قبل الوقوف على جميع ما فيه " (أضواء البيان1/ 26).
ولذا فلا تثريب عليّ أن ذكرت بعض الأمثلة لبعض الأنواع التي جاءت بعد تفسيره ـ رحمه الله ـ فهي أنواع كثيرة وأمثلة أكثر، فمن ذلك:
بيان الإجمال:
وقد ذكر ـ رحمه الله ـ في مقدمة تفسيره أن الإجمال يكون بسبب الاشتراك سواء كان الاشتراك في اسم أو فعل أو حرف.
ومن الاشتراك في اسم قوله تعالى: (وليطوفوا بالبيت العتيق) (الحج/29)، قال ـ رحمه الله ـ في ذلك: " في المراد بالعتيق هنا للعلماء ثلاثة أقوال:
الأول: أن المراد به القديم، لأنه أقدم مواضع التعبد.
الثاني: أن الله أعتقه من الجبابرة.
الثالث: أن المراد بالعتق فيه الكرم، والعرب تسمي القديم عتيقًا وعاتقًا ومنه قول حسان ـ رضي الله عنه ـ:
كالمسك تخلطه بماء سحابة أو عاتق كدم الذبيح مدام
لأن مراده بالعاتق الخمر القديم التي طال مكثها في دنها زمنًا طويلاً وتسمي الكرم عتقًا ومنه قول كعب بن زهير:
قنواء في حرتيها للبصير بها عتق مبين وفي الخدين تسهيل
فقوله عتق مبين: أي كرم ظاهر ومنه قول المتنبي:
ويبين عتق الخيل في أصواتها
أي كرمها، والعتق من الجبابرة كالعتق من الرق، وهو معروف.
وإذا علمت ذلك فاعلم: أنه قد دلت آية من كتاب الله على أن العتيق في الآية بمعنى: القديم الأول، وهي قوله تعالى: (إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركًا) (آل عمران/96) مع أن المعنيين الآخرين كلاهما حق، ولكن القرآن دل على ما ذكرنا، وخير ما يفسر به القرآن القرآن " (أضواء البيان5/ 686ـ687).
وقد يكون الإجمال بسبب إبهام في اسم جنس جمعًا كان أو مفردًا أو اسم جمع أو صلة موصول أو معنى حرف.
ومثال الإجمال بسبب الإبهام في اسم جنس مجموع: قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات) (البقرة/37) قال ـ رحمه الله ـ في ذلك: " لم يبين هنا ما هذه الكلمات، ولكنه بيّنها في سورة الأعراف بقوله: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين) (الأعراف/23) (أضواء البيان1/ 63).
ومثال الإجمال بسبب الإبهام في اسم جنس مفرد قوله تعالى: (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا) (الأعراف/137) قال ـ رحمه الله ـ في تفسيرها: " لم يبين هنا هذه الكلمة الحسنى التي تمت عليهم ولكنه بينها في القصص بقوله: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) (القصص/5، 6) (أضواء البيان2/ 297).
ومن أمثلة هذا النوع أعني أن يكون الإجمال بسبب الإبهام في اسم جنس مفردًا، قوله تعالى: (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) (الزمر/71) قال ـ رحمه الله ـ: " فقد بينها بقوله: (ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (السجدة/13) ونحوها من الآيات " (أضواء البيان1/ 8).
ثانيًا: تفسير القرآن بالسنَّة:
أما تفسير القرآن بالسنّة ومن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أورد ـ رحمه الله ـ عددًا كثيرًا منها وهذه بعضها:
فمن ذلك: تفسيره لقوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) (الفاتحة/7)، قال: " قال جماهير من علماء التفسير " المغضوب عليهم " اليهود، " الضالين " النصارى، وقد جاء الخبر بذلك عن رسول الله صلى عليه وسلم من حديث عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ " (أضواء البيان1/ 37).
وقال في تفسير قوله تعالى: (ثلاثة قروء) (البقرة/228)، وأما الذين قالوا الأطهار فاحتجوا بقوله تعالى: (فطلقوهنَّ لعدتهنَّ) (الطلاق/1) قالوا عدتهنَّ المأمور بطلاقهنَّ لها الطهر لا الحيض كما هو صريح الآية.
ويزيده إيضاحًا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المتفق عليه: [فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمره الله] (البخاري 6/ 67، مسلم2/ 1093).
¥