هل يسمى هذا الكلام تخريجا علميا للأحاديث، وتوثيقا منهجيا للنصوص والمسائل؟
وماذا يستفيد القارئ من هذا الكلام؟
فإذا كان القارئ حريصا على معرفة من أخرج هذا الحديث، فهو بين خيارين:
الخيار الأول: ان يبحث بنفسه في كتب الحديث لمعرفة من أخرج هذه الأحاديث.
والخيار الثاني: ان يشتري كتب هذا المحقق التي أحاله إليها، لمعرفة من أخرج هذا الحديث.
وفي كلا الحالين لم يستفد القارئ من هذا الكتاب بهذا التخريج.
وانظر: «الداء والدواء» بتحقيق أخينا الشيخ الحلبي؛ الصفحات: (6، 74، 93، 126، 132، 168، 186، 200، 202، 203، 220، 255، 276، 277، 281، 296).
فالمحقق - وفقه الله - يكتفي في تخريجه للأحاديث بالإحالة إلى كتبه، وأحياناً إلى كتب الإمام الألباني برد الله مضجعه.
وما يدخل تحت هذا المزلق (الإحالة إلى غير مليء، أو الإحالة إلى الفرع دون الأصل):
ان بعض المحققين كلما جاء موضع لأمر قد تكلموا عليه في كتبهم أشاروا إلى ذلك، فيقولون: (انظر إلى كتابي كذا) أو يقول: (انظر إلى كتاب كذا بتحقيقي) بل بعضهم يحرج القارئ بقوله: (انظر -لزاماً -إلى كتابي كذا) وتأمل قوله: (لزاماً).
ولهذه المسألة أمثلة عدة في تحقيق الشيخ الحلبي، كما تراها في بعض الأرقام التي ذكرتها قبل قليل.
وهي عادة جرى عليها الحلبي في أكثر كتبه.
وما أدري لماذا يترك هؤلاء المصادر الأساسية التي أخذوا هم منها، ويجعلون كتبهم مصدراً للعلم، مع توفر الكتب الأصلية، وبأكثر من طبعة.
وقد ذكر أخونا الحلبي الإمام السيوطي في كتاب: «التعليقات الرضية» (1 - 25) وذكره جاء عرضاً، ومع ذلك؛ ومع شهرة الإمام السيوطي، قال الحلبي (وهو محقق الكتاب) في الهامش:
(انظر ترجمته في مقدمة تحقيقي ل: «المصابيح في صلاة التراويح»، وهي مطبوعة .. ).
وما أدري لماذا ترك المصادر الأساسية التي أخذ منها، وجعل كتابه مصدرا لترجمة السيوطي، ويحيل إليه؟ وإذا كان الأمر للمعاصرة؛ فهناك الكثير من الدراسات الحديثة ترجمت للسيوطي ولامقارنة بين أسلوبها العلمي، وأسلوب أخينا الحلبي، والسيوطي ترجم لنفسه في كتابه: «حسن المحاضرة»، وهي أوثق من ترجمةالحلبي، وغيره، فلِمَ لايحيل إليها؟
علماً بأن هناك من هو أولى بالترجمة، أو الإحالة إلى ترجمته من السيوطي، وهو الإمام الشوكاني صاحب الكتاب الأصل «الدراري المضية شرح الدرر البهية»، وقد ورد اسمه، فهو أولى بالترجمة ممن جاء اسمه عرضا، وليس له دخل في الكتاب.
وقد ورد اسم غيره؛ ك: النووي، واللكنوي، والكتاني، وأحمد شاكر، وغيرهم، فلم يحل إلى تراجمهم؟
أخي القارئ:
لم ينفرد الشيخ الحلبي - وفقه الله - بهذا المزلق، بل شاركه بعض المعتنين بالتحقيق، ولولا خوف الإطالة لضربت بعض الأمثلة على ذلك.
ومن مفاسد هذا المزلق (الثاني):
اتعاب القارئ في تتبع الكتب؛ لمعرفة أمر كان بالإمكان ان يكون بين يديه.
ومن مفاسده أيضاً: صرف الناس عن الكتب الأصول، إلى كتب معاصرة لاتقارن بها.
ومن المفاسد أيضاً: إساءة الظن بالمحقق، حيث يعتقد الناس أنه يقصد بهذا الأسلوب الدعاية لكتبه، وجذب الناس إليها بالقوة، وقد لايريد هو هذا، ولكن هكذا يظن الناس.
المزلق الثالث: الإحالة إلى معدوم:
وأعني بهذا ان يعمد المحقق إلى بعض مسائل الكتاب فيحيل إلى كتب له لم تطبع بل قد يصرح بأنها لم تتم، أو قيد الإعداد، ومثال ذلك:
قول محقق: «الداء والدواء» - وفقه الله- (ص247) عندما عزا ابن القيم الحديث للترمذي:
(برقم: (2317) وفي إسناده ضعف؛ لكنه يتقوى بشواهده، وطرقه، التي جمعتها في جزء مفرد بعنوان: «إتحاف النبيه ... » يسر الله إتمامه، ونشره) أ. هـ.
وقال ص (239) من الكتاب نفسه: (ولي في بيان أهمية الوقت رسالة مستقلة حافلة؛ عنوانها: «المؤتمن في حفظ الوقت ... » يسر الله إتمامها، ونشرها) أ. هـ.
وأنا لم أقصد بهذا الكلام الحط من أخينا الشيخ الحلبي وفقه الله، بل أتحدث عن صفة عمَّت بعض طلاب العلم - والأخ الحلبي منهم - فهم يحيلون بكثرة على كتب لهم، ويقولون: (يسر الله إتمامه)، وتمر السنون، ولم نر هذا الكتاب، فلِمَ لايحيل الكاتب إلى كتاب مطبوع، ولو لغيره؛ ليستفد منه طالب العلم؟ أليس هذا أولى من الإحالة إلى معدوم؟
¥