ومثال ذلك أننا نعرف من السنة الصحيحة أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للمسلمين أمر دينهم. ولكن مع ذلك لا أعرف أحداً من العلماء يرى أنه يجب على الناس الإيمان بمجددية أشخاص معينين. والأمر لا يعدو أن يكون المهدي واحداً من أولئك الذين يحيون شريعة الإسلام.
(3) لا حاجة لمن يريد أن يخدم الإسلام ويرفع رايته إيماناً واحتساباً أن يورط نفسه في مثل هذه الدعاوي، فإنه يستطيع أن يخدم دين الله بجهوده المخلصة إذا وفقه الله بدون هذه الدعاوي وأجره على الله وإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
(4) كما أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى معرفة المهدي بالذات، بل يجب عليهم أن ينصروا الحق والعدل أياً كان مصدره وليس هذا الأمر خاصاً بالمهدي دون غيره.
(5) إن الأحاديث الثابتة في الباب لا تثبت أن المبشر به يلقب نفسه بالمهدي أو أنه يخاطب بالمهدي. ولذلك فمن الممكن جداً أن تكون الكلمة أُريد بها معناها اللغوي أي أنه يكون رجلاً صالحاً هداه الله إلى الحق كما ورد في بعض الروايات (وإمامهم رجل صالح).
وعلى هذا فلا يمكن الجزم بالمراد الحقيقي من هذه الأحاديث إلا بعد ظهور بعض العلامات التي لا يمكن أن تتكرر كخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام. فكل من يدعي لنفسه المهدوية أو يوافق على ذلك فإن دعواه خير دليل على كذبه وتنم عن نواياه السيئة. فمن سولت له نفسه أو سول له الشيطان أن يدعي هذه الدعوى فعليه أن يُخرج الدجال ويُنزل عيسى بن مريم من السماء وإلا فهو كذاب أفاك.
وينبغي للمسلم الواعي الملتزم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يخدع بالشعارات الجوفاء والهتافات البراقة، لأن أعداء الإسلام لا يتركون باباً ولا حيلةً لتضليل المسلمين وإثارة الفتن والمشاكل بينهم لتفريق كلمتهم وتمزيق وحدتهم ليضرب بعضهم بعضاً وتذهب ريحهم وتنتهي قوتهم وشوكتهم. وإن وسائل الإعلام العالمية المرئية والمسموعة والمقروءة والتي يسيطر على أكثرها من يُكن للمسلمين كل حقد وعداء، والتي تصل إلى كل بيت بل إلى كل أذن وكل عين، تسعى جاهدة لقلب الحقائق وتضليل المسلمين فتجعل الصادق كاذباً والكاذب صادقاً، فلا عجب إن حاول الأعداء استغلال فكرة المهدوية وحمل بعض المفسدين على ادعاء ذلك كما فعلت في الماضي مع القاديانية والبهائية. فلا ينبغي للمسلم أن يكون إمعة يتبع كل ناعق ويجري وراء كل كاذب.
وخاتمة القول:
إن خلافة المهدي حق. وإنه لابد أن يملك قبل قيام الساعة ولكن كثيراً من الأساطير والحكايات التي تحكى عنه باطلة ولا نصيب لها من الصحة فيجب على المسلم أن يكون على حذر من دينه وعقيدته ولا يترك للخرافات منفذاً للوصول والسيطرة على أفكاره ومبادئه.
كما يجب عليه أن لا يبادر بإنكار شيء بسبب بعض حوادث الاستغلال وسوء الفهم إلا بعد البحث والتحقيق. وإنما يقاوم الاستغلال بالتوعية الصحيحة الشاملة وعرض الحقائق كما هي والوقوف أمام الأطماع والأغراض السيئة.
والله أعلم وعلمه أتم وهو ولي التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(يتبع)
ـ[الدسوقي]ــــــــ[06 - 06 - 10, 01:58 ص]ـ
الهوامش:
ــــــــــ
@ (1) انظر القول المختصر (124 ب) وكذلك مختصر تذكرة القرطبي والبرهان لعلي المتقي. في ذكرهم لعلامات المهدي المنتظر.
(2) انظر ما تقدم من كلام محمد فريد وجدي وغيره من المنكرين في مقدمة هذا الكتاب.
(3) تفسير المنار (9/ 499).
(4) ضحى الإسلام (3/ 277).
(5) المهدية في الإسلام (ص70).
(6) مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح (ص26).
(7) المصدر السابق (ص26).
(8) انظر تفصيل هذا المبحث في رسالة الشيخ عبد المحسن العباد (عقيدة أهل السنة والأثر) (ص156/ 157).
(9) انظر الإحسان (294 ب)، منهاج السنة (4/ 211)، تاريخ ابن خلدون (1/ 575).
(10) المنار المنيف (ص148).
(11) انظر الكفاية للخطيب البغدادي (ص178 - 186) لتفصيل هذه المسألة.
(12) نزهة النظر (ص75).
(13) الرفع والتكميل (ص58) وقد ذكرته بشيء من التفصيل في مقدمتي لكتاب الشجرة في أحوال الرجال، للإمام الجوزجاني.
(14) العلل للترمذي مع السنن (10/ 483).
(15) مسألة الاحتجاج بالشافعي (ص 388) من مجلة البحوث العلمية.
(16) نزهة النظر (ص 26).
(17) مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر (5/ 197).
¥