تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأعني بذلك: أن يقوم أحد الباحثين بتأسيس مكتبة كبيرة يوظف فيها جماعة من الباحثين بتخصصات مختلفة، وتحتوي هذه المكتبة على عدة أقسام: قسم للنسخ والمقابلة، وقسم للتعليق العلمي «العقدي، والحديثي، والفقهي، والتاريخي والأدبي» وقسم للفهرسة، وقسم للصف والطبع، وقسم للمراجعة والتصحيح اللغوي.

فإذا اكتملت المكتبة بهذا الوصف سُميت: «معمل تحقيق» (2)

وإذا خرج الكتاب - أي كتاب - محققاً عن أحد هذه المعامل، كان العمل في تحقيقه عملاً جماعياً.

والعمل الجماعي في تحقيق المعلمات العلمية لا حرج فيه، ولكن الحرج «الشرعي» خروج هذا العمل باسم رجل واحد فقط، لوجاهته في بلده، أو لشهرته العلمية، أو لكثرة ماله، أو لأنه هو المالك لهذا المعمل العلمي، وهو الكفيل القانوني لكل الأُجَراء في المعمل.

وهكذا تُقتل جهود جماعة من طلاب العلم والباحثين الذين يمضون سنوات طويلة في نسخ المخطوطات، ومراجعتها، وضبطها، والتعليق عليها، وتوثيق نقولها، وتخريج أحاديثها.

وبإمكانه أن يكتب على غلاف الكتاب:

«تحقيق جماعة من طلاب العلم «أو الباحثين» باشراف «الدكتور: فلان».

أو: «تحقيق مكتب التحقيق بمؤسسة «كذا»، أو دار «كذا». أو عبارة نحوها.

فبهذا تبرأ الذمة، ويُنسب الفضل لأهله، ولا يتشبع الانسان بما لم يعط.

ثم إن الأمر أصبح واضحاً للعيان، فالكتب المنشورة كثيرة جداً، وكبيرة، والناس لم تعد تجهل هذا الحال، فهم يتابعون ما يخرج للشخص الواحد، ويلحظون تتابع الكتب، وفي علوم مختلفة «ونحن في زمن التخصص»، وكل كتاب على عدة نسخ خطية، وتخريج موسع لكل الأحاديث والآثار، وتوثيق لجميع النقول، وترجمة جميع الأعلام، سوى ما تناثر من التعليقات الأخرى، وأخيراً مجلدات كبيرة خاصة بالفهارس الفنية المتنوعة.

كل هذا لشخص واحد وبين كل معلمة وأخرى شهور معدودة.

فو الله الذي لا إله غيره: لو كان هؤلاء المحققون لا يُصلّون، ولا يصومون، ولا يحجون، ولا يعتمرون، ولا يصِلون الأرحام، بل ولا ينامون، وأنهم ليل نهار عاكفون على العمل، لما استطاعوا اخراج ما أخرجوه بمفردهم.

وانظروا إلى فحول المحققين الذين أمضوا حياتهم في التحقيق، مثل: عبدالسلام هارون، وأحمد شاكر، ومحمود شاكر، ومحمود الطناحي رحمهم الله.

كم عدد الكتب التي أخرجها هؤلاء؟.

وقارنوها بما أخرجه أولئك بالرغم من التزاماتهم الدينية، والعائلية، والاجتماعية، والإدارية.

والغريب أن عمل هؤلاء الفحول - على تواضع امكاناتهم - في نسخ المخطوطات، ومقابلتها، وضبط النص أدق بكثير من أصحاب هذه المعامل التي تغص بالمتخصصين والهواة.

والمقارنة في الكم لا تقتصر على من ذكرت، بل انظروا - أيضاً - إلى المحققين الناشرين السابقين، مثل: محمد رشيد رضا، ومحمد حامد فقي، ومحب الدين الخطيب رحمهم الله.

وتأملوا ما أخرجه الأستاذ: محمد محيي الدين عبدالحميد رحمه الله.

كل هؤلاء أفنوا أعمارهم في تحقيق ونشر التراث العلمي للمسلمين.

فلو وضعنا كل ما أخرجه هؤلاء المحققون في كفة، وما أخرجه واحد من أصحاب المعامل في كفة أخرى، لرجحت كفة صاحب المعمل، ولطاشت كفة فحول المحققين.

ولكن:

إذا أصرَّ صاحب هذا المبدأ، وارتضى هذا الخُلُق، فعليه أن يكون مشرفاً علمياً وعملياً، وواقعياً لما يخرج باسمه، لكيلا يقع ما لا يرضيه.

وعليه أن يراجع العمل كاملاً (3)، فإذا عمل مجموعة على كتاب موسوعي فيجب أن يكون ذلك ضمن منهج موحد، وأن يراجع المشرف هذا العمل، ليتم توحيد المنهج، ولا يكون هناك اضطراب وتناقض بين تعليق الأول والثاني.

وقد وجد تناقض في بعض أجزاء الكتاب الواحد في بعض هذه الكتب.

فقد يكون أحد الموظفين على منهج المتأخرين فيضعف أحاديث أبي اسحاق السبيعي، ويأتي موظف آخر على منهج المتقدمين فيصححها، فيكون منهج المجلد الأول غير منهج المجلد الثاني، فيحتار القارئ ولا يتصور خروج هذا من محقق واحد، كتب اسمه على الغلاف، فيعلم حينها بأن الأمر لا يخلو من أمور ثلاثة لا يرضاها من كتب اسمه على الغلاف.

فإما أن يكون المحقق هو الذي عمل في الجزأين، ولكنه متذبب في العلم.

أو أنه لم يعمل على الكتاب، والذي عمل فيه جاهل بالعلم جهلاً مركباً.

أو أن الذي عمل في هذا المجلد غير الذي عمل في ذلك.

ولو كتب اسم كل موظف على الجزء الذي قام بالعمل فيه، لكان أحسن، وآمن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير