تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي الحديث "مقال للأستاذ أنور الجندي"]

ـ[محمد مبروك عبدالله]ــــــــ[20 - 06 - 10, 01:42 م]ـ

الأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي الحديث

للأستاذ /أنور الجندي

لا شك أن ((الدعوة إلى تصحيح المفاهيم)) عمل كبير الأهمية في هذه المرحلة من حياة أمتنا وحياة فكرنا الإسلامي وثقافتنا العربية، وهو يتطلب منا إلقاء نظرة واسعة على الأخطاء الكثيرة التي تواترت في العصر الحديث ومن خلال كثير من الأبحاث والمؤلفات والكتب الدراسية المقررة والمناهج التعليمية المختلفة والتي حاول النفوذ الأجنبي والاستعمار الفكري فرضها ودعمها وتعميقها وصقلها وإعطاءها صورة الحقائق الأساسية التي لا تقبل الشك بينما هي زائفة ليس لها أصل علمي تعتمد عليه أو سند تاريخي يضمن الثقة بها.

ويمكن أن نقسم هذه الأخطاء أساساً إلى عدة أصول عامة:

(أخطاء تاريخية أصبحت حقائق)

(أولاً) وفي مقدمتها: حملات الاستعمار على افريقيا وآسيا التي توصف في الكتب المدرسية بأنها طلائع الكشوف الجغرافية: حيث تقول هذه الكتب ما يأتي:

((شهدت أوروبا في السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر ومطلع القرن السادس عشر حركة اكتشافات جغرافية واسعة وقد وصل الأوروبيون إلى الهند بالدوران حول افريقيا الجنوبية)).

والواقع أن هذه ليست كشوفاً جغرافية ولكنها فتوحات استعمارية كانت بعيدة عن روح العلم وعن أسلوب الكشف وكانت المراحل الأولى للاستعمار قد حملت في مضمونها أساساً مفهوماً خطيراً هو العمل على تطويق عالم الإسلام من الخلف.

فالبرتغاليون لم يكتشفوا الهند ولم يكتشفوا افريقيا، أما الهند فكانت معروفة في أوروبا منذ العصور القديمة.

ولم يكن هنري الملاح وفاسكودي جاما والبوكرك مكتشفين علماء بقدر ما كانوا غزاة طامحين إلى الفتح والسيطرة يحملون في أعماق أنفسهم روح الكراهية والتعصب ضد المسلمين.

فقد كانت تصرفاتهم وأعمالهم في مختلف البلاد الإسلامية والمواني العربية التي نزلوا بها تدل على هذا الحد البالغ العنف.

وأن هذه الحملات انطلقت من الأندلس: إسبانيا والبرتغال بعد تحررها من النفوذ الإسلامي والعربي كرد فعل لذلك ورغبة في الانتقام والغزو.

ولذلك فإن من أخطاء كتبنا المدرسية والتاريخية المختلفة أنها تصوّر هنري الملاح عالماً ومكتشفاً أو تصور فاسكودي جاما على أنه رحالة مخلص للعلم، بينما كان الجدير بها أن تعرفه على حقيقته في رحلاته التي تحمل طابع العنف، ومن أمثلة ذلك ما فعل في رحلته الثانية إلى آسيا قبل وصوله إلى شواطئ الهند حيث اتّجه بمدافعه الثقيلة إلى المراكب الإسلامية التي تحمل الحجاج من مكة أحرقها وأغرقها بعد أن نقل أموال الحجاج وأمتعتهم إلى أسطوله وبعد أن حظر على رجاله إنقاذ الغرقى منهم وفيهم النساء والأطفال حتى هلكوا جميعاً.

وكل ما تورده الكتب العربية عن اكتشاف أوروبا لإفريقيا هو نوع من الخطأ المحض، فقد كان عبور المحيط الهندي من سواحل افريقيا الشرقية إلى آسيا معروفاً من البحارة العرب والهنود منذ قرون.

وينطبق هذا على ما وصفت به رحلة صمويل بيكر إلى منابع النيل واهتدائه إلى بحيرة البرت وأنه وصل إلى بلاد بِكْر لم تطأها قدم إنسان، فقد سبق صمويل بيكر إلى هذه المناطق كثير من مؤرخي العرب ورحّالتهم، وقد وصفوا قبائل النيل قبيلة قبيلة وشرحوا عاداتها وأخلاقها وقارنوا بين تواريخها ولغاتها.

فالاستكشاف لم يكن في الحق إلا طلائع الاستعمار ولم يكن له طابع علمي وإنما كان قائماً على العنف والتعصب، ولم يكن في الحق ارتياداً لأرض بكر بل كان مسبوقاً بكثير من الرحالة المسلمين والعرب.

(ثانياً) ومن هذه الأخطاء القول بأن النهضة في العالم العربي إنما كان مصدرها حملة نابوليون وأن العرب والمسلمين لم يستيقظوا من نومهم حتى أيقظهم الغرب.

وهو قول لا سند تاريخي ولا علمي له، فإن العالم الإسلامي والأمة العربية قد استيقظت قبل الحملة الفرنسية بأمدٍ طويل، هذه اليقظة التي بدأت في منتصف القرن الثامن عشر أو حوالي عام 1750م على التحديد حينما انبعثت صيحة الإمام محمد بن عبدالوهاب في قلب الجزيرة العربية بدعوة التوحيد، وما كان لها من أصداء في العالم الإسلامي كله.

وهذا يسبق وصول الحملة الفرنسية بأكثر من نصف قرن ويسبق وصول الارساليات التبشيرية بمئة عام على الأقل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير