تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وسلم أن العظمة ليست باغتنام الفرص لتعميق الرهبة والرعب في قلوب الناس تكبرا وتعاليا وأن العظمة الحقيقية في رفع معنويات الناس حتى يستطيعوا أن يبثوا شجونهم وهمومهم ويعبروا عما يختلج في نفوسهم آمنين من عقوبة أو لوم يوجه لهم فأعظم الناس دلالة ونفعا وهداية لهذا الأمة هم أعظمهم تواضعا { ... فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ... } (الأنعام 90) وهداهم مورد ترده الهيم فتروى وتهوي إليه النفوس فتجد عنده ما تهوى وماء زمزم ما ينفك ذا عبق يروي الجموع إذا ما الماء قد نفد .. كان صلى الله عليه وسلم سماء من تواضع .. متواضع وهو الرفيع مقامه ووضيع قوم ليس بالمتواضع .. لتواضعه يسعى في حاجات الناس صغيرها وكبيرها ويحث على ذلك فيقول: (ومن مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام) ..

كان لأهل بيت من الأنصار جمل يسقون عليه فمنعهم ظهره فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: عطش الزرع والنخل ومنعنا الجمل ظهره فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فدخل النبي الحائط والجمل في ناحية منه فقالت الأنصار: يا نبي الله إنه قد صار مثل الكلب الكلِب وإنا نخاف عليك صولته فقال: (ليس علي من بأس) ولما نظر الجمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه فأخذ بناصيته أذل ما كان حتى ادخله في العمل وحال صاحب الجمل أوليتني كرما وزائدا وضررتني حتى نسيت الوالدا أقسمت لو جاز السجود لمنعم ما كنت إلا راكعا لك ساجدا

وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يخبر أن رجلا من الأنصار كان له فحلان فاغتنما هاجا واضطربا فأدخلهما حائطا وسد عليهما الباب ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من الأنصار فقال: يا نبي الله إن لي إليك حاجة، قال: حاجتك؟ قال: يا رسول الله إن لي فحلين اغتنما فأدخلتهما حائطا وسددت الباب عليهما وأحب أن تدعو أن يسخرهما الله لي .. فلم يدع له بل قام يمشي له في حاجته قائلا لأصحابه قوموا معنا فذهب حتى أتى الحائط وقال افتح ففتح الباب فإذا أحد الفحلين قريب من الباب فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ائتني بشيء أشد به رأسه وأمكنك منه فجاءه بخيطان فشد به رأسه وأمكنه منه ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر فلما رآه وقع له ساجدا فقال للرجل ائتني بخيطان فشد به رأسه وأمكنه منه وقال: اذهب لا يعصيانك بعد اليوم .. فلما رأى الصحابة ذلك قالوا: يا رسول الله فحلان لا يعقلان سجدا لك أفلا نسجد لك؟ قال: (لا آمر أحدا أن يسجد لأحد ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) ذلك لعظم حقه عليها ... فهل رأيت مثله يا ذا الحجا زينة للدنيا ومحو للدجى؟ اللهم لا إنه الخلق العظيم الذي زكاه العلي العظيم فلا تستنن إلا بسنة مرسل له دون كل العالمين الخصائص ...

كذا كان صلى الله عليه وسلم يسعى في نفع كل أحد ويقول: (من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه) .. الصبي الصغير حظي بنفعه يوم أن أشفق عليه أن ينشأ على تفريط في الأمانة فتواضع له وتلطف في عقوبته ليعلمه أداء الأمانة ..

حدث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: اهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم عنب من الطائف فدعاني فقال: (خذ هذا العنقود بلغه أمك) فاشتهى النعمان العنب الصغير فأكله قبل أن يبلغه أمه، ولما كان بعد ليال قال لي صلى الله عليه وسلم: (ما فعل العنقود؟ أأبلغته أمك؟) قلت: لا، قال فأخذ بأذني وقال: (يا هدر يا هُدَر) لقد أشفق على الصغير أن يكون أمينا أعظم من إشفاقه عليه أن يحرم من عنقود اشتهاه فانتفع بذلك حياته وحدث به .. صدق الله { ... حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة 128) إذا شنف الآذان ذكر خلاله يود سوى الآذان لو أنه أذن صلى عليه بارئ العباد ما أمطرت سحب وسال وادي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير