تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أنه قد خالف إجماع الأمة كلها من أولها إلى آخرها بيقين لا إشكال فيه ولا يجد لنفسه سلفا ولا إنسانا في جميع الأعصار المحمودة الثلاثة فقد اتبع غير سبيل المؤمنين ص:98 فنعوذ بالله من هذه المنزلة وأيضا فان هؤلاء الفقهاء كلهم قد نهوا عن تقليد غيرهم وقد خالفهم من قلدهم وأيضا فما الذي جعل رجلا من هؤلاء أو من غيرهم أولى أن يقلد من عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب أو ابن مسعود أو ابن عمر أو ابن عباس أو عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم فلو ساغ التقليد لكان كل واحد من هؤلاء أحق بأن يتبع من غيره انتهى

إنما يتم فيمن له ضرب من الاجتهاد ولو في مسألة واحدة وفيمن ظهر عليه ظهورا بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكذا ونهى عن كذا وأنه ليس بمنسوخ إما بأن يتتبع الأحاديث وأقوال المخالف والموافق في المسألة فلا يجد له نسخا أو بأن يرى جمعا غفيرا من المتبحرين في العلم يذهبون إليه ويرى المخالف له لا يحتج الا بقياس أو استنباط أو نحو ذلك فحينئذ لا سبب لمخالفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفاق خفي أو حمق جلي

وهذا الذي أشار اليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام حيث قال ومن العجب العجاب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا وهو مع ذلك يقلده فيه ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم جمودا على تقليد إمامه بل يتخيل لدفع ظاهر الكتاب والسنة ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده وقال لم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير ص:99 تقليد لمذهب ولا إنكار على أحد من السائلين الى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين فان أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة مقلدا له فيما قال كأنه نبي أرسل وهذا نأي عن الحق وبعد عن الصواب لا يرضى به أحد من أولي الألباب

وقال الامام أبو شامة ينبغي لمن اشتغل بالفقه أن لا يقتصر على مذهب امام ويعتقد في كل مسألة صحة ما كان أقرب إلى الكتاب والسنة المحكمة وذلك سهل عليه اذا كان اتقن العلوم المتقدمة وليجتنب التعصب والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة فانها مضيعة للزمان ولصفوه مكدرا فقد صح عن الشافعي أنه نهى عن تقليده وتقليد غيره

قال صاحبه المزني في أول مختصره اختصرت هذا من علم الشافعي ومن معنى قوله لأقربه على من أراد مع إعلامي نهيه عن تقليده وتقليد غيره لينظر فيه لدينه ويحتاط لنفسه أي مع إعلامي من أراد علم الشافعي نهي الشافعي عن تقليده وتقليد غيره

وفيمن يكون عاميا ويقلد رجلا من الفقهاء بعينه يرى أن يمتنع من مثله الخطأ وأن ما قاله هو الصواب البتة وأضمر في قلبه ألا يترك تقليده وان ظهر الدليل على ص:100 خلافه وذلك ما رواه الترمذي عن عدي بن حاتم أنه قال سمعته يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ?اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ?قال انهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه

وفيمن لا يجوز أن يستفتي الحنفي مثلا فقيها شافعيا وبالعكس ولا يجوز أن يقتدي الحنفي بإمام شافعي مثلا فان هذا قد خالف إجماع القرون الأولى وناقض الصحابة والتابعين

وليس محله فيمن لا يدين إلا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعتقد حلالا إلا ما أحله الله ورسوله ولا حراما إلا ما حرمه الله ورسوله

لكن لما لم يكن له علم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ولا بطريق الجمع بين المختلفات من كلامه ولا بطريق الاستنباط من كلامه اتبع عالما راشدا على أنه مصيب فيما يقول ويفتي ظاهرا متبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فان خالف ما يظنه أقلع من ساعته من غير جدال ولا إصرار فهذا كيف ينكره أحد مع أن الاستفتاء

ص:101

والإفتاء لم يزل بين المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير