وقد عقد الباب الأول لعرض الجانب التاريخي لهذه الطائفة مبينا فرق الشيعة التى تفرقت بعد كل إمام والأشخاص الذين جعلوهم أئمة من اهل البيت واهم عقائدهم مع إيراد جملة من المسائل الفقهية عندهم.
وأورد كلام جملة من المفسرين في مقدمات تفاسيرهم تزعم أن عليا وآل بيته وحدهم العارفون بما في القرآن الكريم.
والمطلع على هذه الروايات التى نسبوها إلى أهل البيت يرى عجبا. روايات تطفح بالغلو ودعوى إحاطة العلم بعلم الوجود كله منذ أوجده الله عز وجل على مالا نهاية وهذه دعوى لم تصح للأنبياء بل ولا لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
قال الله عز وجل لنبيه: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الاعراف 188)
وقال تعالى: (ُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ) (الانعام 50)
وقال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا {26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا {27} لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) (الجن 26 - 27)
هذه الأيات القطعية الدلالة تسد كل باب للدعاوي الكاذبة التي يزعم أصحابها ان أحدا غير الرسل يشاركون الرسل في علم الغيب، وإن كانت هذه الايات بهذه الدلالة لا تدل على أن الغيب من خصائص الخالق فليس هناك دلالة قطعية في كتاب الله عز وجل.
أما الغلو في دعوى علوم لم يعرفها البشر فاستمع إلى أحد النماذج التى أوردها الباحث من تفاسير القوم.
فقد نقل الباحث عن المفسر الكاشاني في تفسيره (الصافي) عن الصادق رحمه الله أنه قال: (في الكافي عن الصادق: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي ..... الخير، وعن الباقر قال: عهد إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم أنهم هكذا. وإنما سموا أولى العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته فأجمع عزمهم أن ذلك كائن كذلك، فأخذ الميثاق على أولى العزم أني ربكم ومحمد رسولي وعلى أمير المؤمنين، واوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي وان المهدي أنتصر به لديني واظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأعبد به طوعا وكرها، قالوا: أقررنا يارب وشهدنا، ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبت العزيمة لهولاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله: (طه 115)
ونقل عن البحراني في تفسيره (البرهان) أنه عزا الى علي رضي الل هعنه أنه تحدث عن تفسير (الباء) في (بسم الله ارحمن الرحيم) ليلة كاملة ثم قال: لو زادنا الليل لزناء وهكذا على هذا النمط الذي أردوا به إيهام الناس بأن الأئمة لديهم علوم فوق إدراك البشر.
نعم لا نشك في فضل علي رضي الله عنه وما أوتية من العلم لكنه برئ من هذه الدعاوي الباطنية.
فأن الحديث عن الحروف لم يرد فيه حرف واحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم لا عن علي ولا عن غيره، وإنما هي نزعة باطنية أرادت إفقاد الثقة في كتاب الله الذي أكد سبحانه أنه أنزله بلفظ عربي مبين،أي:واضح الدلالة.
وقد أورد نماذج من تلك التفاسير التي تنحي بالقرآن إلى التفسير الباطني الذي يفسد معناه ويحيله إلى ألغاز وطلاسم على خلاف حقيقته وما وصفه الله عز وجل به.
قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {192} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ {194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) (الشعراء 195)
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
) (اإبراهيم 4)
¥