تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحدود وقبل الحروف قال وهذا صريح من الشبلى رضي الله عنه أن القديم لا حد لذاته ولا حروف لكلامه # قلت هذا الكلام فيه استدراك من وجوه # أحدها أن الذي قال إنه تعالى معروف قبل الحدود وقبل الحروف لم يرد أن الخلق عرفوه قبل ذلك فإنه قبل الخلق لم يكن خلق يعرفونه وإنما أراد أنه عرف أنه كان قبل الحدود وقبل الحروف فالظرف وهو قبل متعلق بالضمير في معروف لا بنفس المعرفة اللهم إلا أن يريد أنه يعرف نفسه قبل الحدود وقبل الحروف فيكون هو العارف وهو المعروف وهذا معنى صحيح يحتمله الكلام والمقصود أنه كان قبل ذلك # ومعلوم ان اللام للتعريف فإذا كان قبل الحدود وقبل الحروف فإنما اراد الحدود المعروفة لنا والحروف المعروفة لنا وهي ما كان هو قبلها وتلك ما للمخلوق من الحدود والحروف ولا ريب أن الله كان قبل حدود المخلوقات وقبل أصوات العباد ومدادهم فأما أن يكون هذا يقتضي أن الله لم يتكلم بحرف أو ليس له حقيقة في ذاته يتميز بها عن مخلوقاته فليس هذا الكلام صريحا فيه إذ لو أراد ذلك لقال المنزه عن الحدود والحروف ولم يقل قبل الحدود والحروف فإن ما كان

الرب قبله فهو صفة المخلوق وأما ما ينزه الرب عنه فهو ممتنع ليس هو صفة له ولا هو أيضا بعينه صفة للمخلوق وإن كان المخلوق قد يوصف بنظيره # الوجه الثاني أن الكلام المجمل من كلامهم يحمل على ما ينسب سائر كلامهم وهؤلاء أكثر ما يبتلون بالاتحادية والحلولية الذين يجعلون الرب حالا في المخلوقات محدودا بحدودها متكلما بحروفها حتى يجعلونه هو المتكلم على ألسنتهم كما ذكر ذلك أبو القاسم في أول الرساله لما ذكر ما أحدثه فاسدو الصوفية حيث قال زال الورع وطوى بساطه واشتد الطمع وقوى رباطه وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة وعدوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام ودانوا بترك الاحترام وطرح الاحتشام واستخفوا بأداء العبادات واستهانوا بالصوم والصلاة وركضوا إلى ميدان الغفلات وركنوا إلى اتباع

الشهوات وقلة المبالاة بتعاطي المحظورات والارتفاق بما يأخذونه من السوقة والنسوان وأصحاب السلطان ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الأفعال حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال فأدعوا أنهم تحرروا عن رق الأغلال وتحققوا بحقائق الوصال وأنهم قائمون بالحق تجرى عليهم أحكامه وهم محو ليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يذرونه عتب ولا لوم وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية واختطفوا عنهم بالكلية وزالت عنهم أحكامه البشرية وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية والقائل عنهم غيرهم إذا نطقوا والنائب عنهم سواهم فيما تصرفوا بل صرفوا # وهؤلاء كثيرون في المنتسبين إلى الصوفية وعلى مثل ذلك قتل الحلاج

# فالشبلي وأمثاله يريدون أن يميزوا بين المخلوق والخالق لنفي مذهب الاتحاد والحلول كما نقل عن الجنيد إفراد القدم عن الحدث وكما قال أبو طالب المكي صاحب قوت القلوب ليس في مخلوقاته شئ من ذاته ولا في ذاته شئ من مخلوقاته فذكر أنه معروف قبل الحدود والحروف وهي ما عرف من حدود المخلوقين وحروفهم وإذا كان معروفا قبل ذلك لم يكن محدودا بحدودهم ولا متكلما بكلامهم # الوجه الثالث أن أصول اعتقاد أئمة الطريق إلى الله لا يؤخذ مما يحكى عن مثل الشبلى ولو كانت الحكاية صادقة لما عرف من حال الشبلي وانه كان يغلب عليه الوجد حتى يزول عقله وتحلق لحيته ويذهبوا به إلى المارستان ويسقط عنه التمييز بين الحق والباطل # ومن كان بهذه الحالة لم يجز أن يجعل كلامه وحده أصلا يفرق به بين أئمة الهدى والضلال والسنة والبدعة والحق والباطل لكن يقبل

من كلامه ما وافق فيه أئمة المشايخ وهو ما دل عليه الكتاب والسنة # وأقبح من ذلك أن يعتمد في اعتقاد أولياء الله في أصول الدين على كلام لم ينقل مثله إلا عن الحلاج وقد قتل على الزندقة وأحسن ما يقوله الناصر له إنه كان رجلا صالحا صحيح السلوك لكن غلب عليه الوجد والحال حتى عثر في المقال ولم يدر ما قال # وكلام السكران يطوى ولا يروى فالمقتول شهيد والقاتل مجاهد في سبيل الله دع ما يقوله من ينسبه إلى المخاريق وخلط الحق بالباطل # وليس أحد من مشايخ الطريق لا أولهم ولا آخرهم يصوب الحلاج في جميع مقاله بل اتفقت الأمة على انه إما مخطئ وإما عاص وإما فاسق وإما كافر ومن قال إنه مصيب في جميع هذه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير