ولما احتاجت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي المحذور.
ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر" اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر ("فتح الباري" (1/ 532)): "وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم " اهـ.
وقال في موضع آخر ("فتح الباري" (1/ 524)): "والوعيد على ذلك يتناول من اتخذ قبورهم مساجد تعظيماً ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى عبادتهم" اهـ.
وقال الشيخ أحمد البنا الساعاتي ("الفتح الرباني" (3/ 75)): " أحاديث الباب تدل على تحريم اتخاذ المساجد على قبور الأنبياء والصالحين لأن في الصلاة فيها استناناً بسنة اليهود والنصارى، وقد نهينا عن التشبه بهم في العادات فما بالك بالعبادات، وقد لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الاتخاذ.
فأحاديث الباب برهان قاطع لمواد النزاع، وحجة نيرة على كون هذه الأفعال جالبة للعن، واللعن أمارة الكبيرة المحرمة أشد التحريم.
فمن اتخذ مسجداً بجوار نبي أو صالح بحيث يكون القبر داخلاً في المسجد، رجاء بركته في العبادة ومجاورة روح ذلك الميت فقد شمله الحديث شمولاً واضحاً كشمس النهار، ومن توجه إليه في صلاته خاضعاً له مستمداً منه فلا شك أنه أشرك بالله وخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تشرع الزيارة في ملة الإسلام إلا للعبرة والزهد في الدنيا وتذكر الآخرة والدعاء بالمغفرة للموتى" اهـ.
**
(لا تغلوا في دينكم)
الوسيلة الأخرى المفضية إلى عبادة الأوثان واتخاذ الأنداد من دون الله، الغلو في الصالحين من الأنبياء والملائكة وغيرهم من عباد الله المكرمين.
وقد أخبر الله عز وجل في كتابه عن أهل الكتاب والمشركين الذين غلوا في الصالحين من الأنبياء والملائكة وغيرهم من عباد الله المكرمين.
وقد أخبر الله عز وجل في كتابه عن أهل الكتاب والمشركين الذين غلوا في بعض خلقه فعبدوهم من دون الله واتخذوهم أرباباً وآلهة، يدعونهم ويرجونهم ويحبونهم كحب الله.
قال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير) (المائدة: 17).
وقال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) (المائدة: 72).
وقال سبحانه: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم. أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم.ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون) (المائدة: 73 - 75).
وقال عز وجل: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) (التوبة: 30 - 31).
وقال تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً) (النساء: 171).
¥