تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحكمة من تحريم الربا والناس قد ينظرون للحكم هكذا ويظنون أن فيه شدة وعسراً، لكن للشريعة حكم عظيمة؛ فإن هذا الاشتراط للتقابض يدفع عن الناس من الشر ما الله به عليم. وكثير من المظالم تقع بسبب عدم التقابض، حتى إن أحد خبراء الاقتصاد من الكفار المعاصرين لما قرأ شرط الشريعة في التقابض، قال: لو أن العالم طبق شرط الشريعة الإسلامية في التقابض في النقدين، فإن ثلاثة أرباع مشاكل الاقتصاد سوف تنتهي؛ لأن التعامل كله بالكلام، والنكسات التي تقع حينما يحدث السحب بالسيولة غير موجودة، فتحدث بسبب ذلك الديونات والإحراجات، ويحصل بسبب ذلك الظلم. ومن هنا اشترطت الشريعة التقابض؛ لأنه يدفع باب الاحتيال، فلو قال لك: أبيعك مائة دولار مثلاً من الذهب، وأعطيته النقد ولم يعطك إياها، فربما قال لك: أبيعها لك، وسجلها دون أن تكون موجودة في رصيده، بزعمه أنك إذا جئت تطلبها في أي وقت فإنه سوف ينجزها لك، فربما جئت تطلبها في أحرج الأوقات، فتصيبه النكسة، فيضر بنفسه. وأيضاً أضر بغيره؛ لأنه ربما وقف العاجز الذي لا يستطيع أن يسدد ديونه لقاء السحوبات، كما يقع في بعض المصارف نكسات بسبب عدم وجود السيولة، فالشريعة لم تشترط هذا من فراغ، ولنمثل لذلك بمثال في مسألة دفع الضرر على هذا النطاق العام وهو ضرر أخف، فمثلاً: إذا جئت إلى رجل وأعطيته خمسمائة ريال وأنت تريد صرفها، أو اشتريت مثلاً بعشرة ريالات وأعطيته خمسمائة ريال، فإنه يأخذها مباشرة ويرميها في الصندوق ثم يقول: كم أعطيتني؟ فتقول: خمسمائة، فيقول: لا، بل أعطيتني مائة. فتقول: أعطيتك مائة. فيقول: لا، بل أعطيتني خمسين. فتقول: خمسين. فيقول: بل عشرة، هذا إذا لم يقل لك: لم تعطني شيئاً؛ لأنه ينسى. فالشريعة تريد العدل، فإذا أخذ منك الذهب أعطاك مقابله باليد الأخرى؛ لأنك رضيت أن تبذل ذهبك لأجل العوض، فهذا كله مبني على حكمٍ عظيمة، فإن اشتراط التقابض وتحريم النسأ فيه دفع للضرر عن العامة والخاصة.

التفصيل في بيع الربويات بعضها ببعض وبناءً على ذلك فالأصناف الستة يشترط فيها التماثل والتقابض، وهذا كله إذا وقع التبايع بالصنف بمثله، كذهب بذهب، وفضة بفضة، وبر ببر، وتمر بتمر، وشعير بشعير، وملح بملح، لكن لو وقع التعامل مع الاختلاف، فإن الحكم يختلف، فإذا حصل الاختلاف اليسير اختلف الحكم يسيراً، وإذا وقع الاختلاف الكلي اختلف الحكم كلياً، وحكم بجواز التفاضل وجواز النسأ والتأخير. وتوضيح ذلك: أن الأصناف الستة إذا بعتها مختلفة، فإما أن تبيعها مع اتحاد الجنس واختلاف النوع، وإما مع اختلاف الجنسين، فنقسم الستة إلى أثمانٍ ومطعومات، فالأثمان الذهب والفضة، والمطعومات الأربعة الباقية، فالذهب والفضة إذا بيعا مختلفين فإن جنسهما واحد، أي: جنس أثمان، فإذا بعت مع اتحاد الجنس واختلاف الصنف فيشترط التقابض فقط، فيجوز أن تبيع الكيلو من الذهب بالكيلوين من الفضة، لكن بشرط أن يكون يداً بيد، ولا يجوز أن يؤخر أحد المتعاقدين، فإذا اتفق جنس الثمن واختلف الصنف، كذهب بفضة، قلنا: يجوز التفاضل ولا يشترط التماثل، ويجب التقابض، فلا يفترقان عن مجلس العقد إلا وقد أعطى كل منهما للآخر ما له عليه. مثال ذلك: لو جئت تشتري بالريالات الموجودة -ورصيدها فضة- ذهباً، وقال لك: الجرام بأربعين ريالاً، فاشتريت عشرة جرامات بأربعمائة ريال، أو مائة جرام بأربعة آلاف ريال، فيجب عليك أن تعطيه الثمن ويعطي لك الجرامات يداً بيد، فلا تفترقا عن مجلس العقد إلا وقد قبض كل منكما سلعة الآخر، أو ما عند الآخر. فلو أن أحدكما أخر وافترقتما، فقد وقع ربا النسيئة من وجه واحد، وعند الانسحاب من الوجهين يجري الربا من وجهين، وعند اتحادهما من وجه واحد يجري الربا من وجه واحد، فيجري النسأ فقط ويجوز التفاضل. أما لو اختلف الجنسان؛ كذهب بواحد من الأصناف الأربعة المطعومة، أو فضة بواحد من الأصناف الأربعة المطعومة، فيجوز التفاضل ويجوز النسأ، فيجوز أن تبيع الكيلو من الذهب بألف كيلو من التمر؛ لأنه لا يشترط التماثل، كذلك أيضاً يجوز أن تعطيه النقد الآن وتستلم منه التمر بعد يوم، أو بعد شهر، أو بعد سنة، ولا بأس بذلك؛ لأنه لا يوجد الربا لا من جهة التفاضل ولا من جهة التقابض. وعليه قال العلماء: إن الأصناف الستة يجري فيها الربا من وجهين بشرط اتحاد الجنس

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير