تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله على المسلمين، فلو قلنا بجواز هذا لأجزنا بيع الخمر لأهل الذمة، ومذهب جماهير العلماء على حرمة هذا العقد، أي: تحريم أخذ الربا من المسلم والكافر على حد سواء، وهذا مبني على عموم الأدلة؛ لأن الله عز وجل أنزل من فوق سبع سماوات على رسوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، فكل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر ويتلو كتابه، ويُلزم بهذا الكتاب، فإنه يلزم بتحريم الربا مطلقاً، ما فرق الله بين مسلم وبين كافر، وما فرق الله بين ذمي وغير ذمي، فالحكم عام. ومن الفوائد التي قد تستفاد من هذا: أنه إذا حرم الربا مع الذمي كان أبلغ في إحياء سنة الإسلام وإبطال ما خالفه؛ لأن الذمي إذا أخذ منك الدين مائة ورده لك مائة؛ أحب الإسلام، ونظر إلى الفرق بين معاملة المسلم ومعاملة غير المسلم. ومن هنا لو وضع ماله في مصرف كافر وأعطاه عليه فائدة فلا يأخذها؛ لأن الله أوجب عليه أن يأخذ رأس ماله فقط: فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ [البقرة:279]، ولو قيل بأخذ هذه الزيادة حتى لا يستفيد منها الكافر، لنظر الكفار إلى المسلمين على أنهم يتعاملون بالربا كما يتعاملون هم، ولم يحسوا بسماحة الإسلام وبمزيته، فنحن نصلح جهة ونخرب جهات، ونجد أن من يقول بأخذها يحتار ويقول: لا تصرف في بناء المساجد ولا في الأطعمة ونحوها، وإنما تصرف في أشياء بعيدة عن أجساد الناس، فمعناه أنه يحس أن هذا المال فيه شبهة. إذاً: لماذا لا نتمسك بالنص: فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] ونترك هذا المال، ولو تركناه فعلاً فإن الكافر يشعر أن المسلم له مزية على غيره، ووالله لقد فعلها بعض أهل العلم من مشايخنا، قال: فوجدت لها أثراً بليغاً في نفسي؛ لأنه كان في سفر، واحتاج أن يجلس فترة في بلد كافر؛ فأعطوه فوائد زائدة عن المبلغ الذي معه، وكان مضطراً إلى حفظه عندهم، فلما قال: لا آخذ إلا رأس مالي، فحاولوا معه فما استطاعوا، ثم ذهبوا إلى مدير المصرف، فقال له: لماذا لا تأخذ الربح؟ قال: إن ديني لا يسمح لي أن آخذ إلا مالي، فظل مدهوشاً، ثم قال: ما هي ديانتك؟ فقلت: الإسلام. قال: الإسلام يفعل هذا! وتعجب! قال: ثم صرت أشرح له الإسلام، وأقول: إن العدل إذا أعطيتك عشرة آلاف ريال أن آخذ عشرة آلاف ريال فقط، فأصبحت أقنعه، فتعجب كيف أنه يأخذ من الناس العشرة بزيادة؟ وكيف يأخذ من الناس الزيادة؟ فأصبح هذا درساً له، وكما أن الدروس تكون قولية تكون أيضاً عملية، والدروس العملية قد تكون أبلغ؛ لأنك تترك له الفائدة فيحس بعزتك واحتفاظك بدينك، وأن الدنيا تحت قدميك إن عارضت دينك. فهناك عبر يمكن أن تستفاد، لكن عندما يلتزم بالأصل الذي قال الله: فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] مع أن هذه الآية نزلت في بقايا ربا الجاهلية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278 - 279]، فدل على أنه يسحب رأس المال، لا تَظْلِمُونَ [البقرة:279] لو سحب الرصيد ناقصاً وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279]، فكما أنك لا ترضى أن ينقص رصيدك، فينبغي لك أن لا تطالب بالزيادة. إذاً: لم يفرق الله بين مسلم وبين كافر في هذه المسألة، ولو قلنا بهذه العلة في أخذ مال الكافر لدخلنا حتى للمسلم غير الملتزم وقلنا أيضاً: هذا غير الملتزم ربما يستعين بالفائدة، ثم نخوض في الرأي إلى ما لا نهاية، فالنص إذاًَ أحمد وأسلم وأدق، وإذا وجد الشخص في الرأي علة وفائدة، فإنه سيجد في النص والتزام الأثر والمنقول حكماً أعظم من علله التي يستنبطها، وصدق الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]. فالخلاصة: أن الربا لا يجوز بين المسلم والمسلم، وبين المسلم وغير المسلم أياً كان ذلك؛ للأمور والأدلة التي دلت في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. ومما يدل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للصحابة أن يتعاملوا مع اليهود الذين كانوا في المدينة بالفضل والزيادة، وكان ذلك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير