كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن، وقالوا إن هاهنا رجلاً من الجن يزعم أنه يريد الحلال؟ (!) فقال: ما أرى بذلك بأساً في الدين؛ ولكن أكره إذا وُجِدَتْ امرأةُ حامل
قيل لها: من زوجكِ؟ قالت: من الجن! فيكثر الفساد في الإسلام)).
ووجه الغرابة استدلاله على الإمكان المذكور بهذا الأثر عن مالك! وهو باطل - في نقدي - سنداً ومتناً.
أما السند؛ فإن سعيد بن داود الزبيدي ضعفه ابن المديني، وكذبه عبد الله ابن نافع الصائغ في قصةٍ مذكورة في ترجمته في ((تاريخ بغداد)) و ((التهذيب)). وقال الحاكم:
((روى عن مالك أحاديث موضوعة)). وقال الخطيب وغيره:
((حدث عن مالك، وفي أحاديثه نكرة)). وقال ابن حبان في ((الضعفاء)) (1/ 325):
((لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة الاعتبار)).
وأما المتن؛ فإني أستبعد جداً - على فقه الإمام مالك - أن يقول في تزويج الإنسية بالجني: ((ما أرى بذلك بأساً في الدين))! ذلك لأن من شروط النكاح - كما هو معلوم - الكفاءة في الدين على الأقل. فلا يجوز تزويج مسلمة بكافر، بل ولا بفاسق، فمن أين لوليها وللشهود أيضاً أن يعلموا أن هذا الجني كفؤ لها، وهم لا يعرفونه؟! فإنه قد ظهر لهم بصورة رجل خاطب وجميل! ولا يمكن رؤيته على حقيقته بنص القرآن.
وقد يتمثل بصورة أخرى إنسانية أو حيوانية، وحينئذٍ كيف يمكن تطبيق الأحكام المعروفة في الزوجين - كالطلاق والظهار والنفقة وغيرها - مع اختلاف طبيعة خلقهما؟! تالله! إنها من أغرب الغرائب أن يخفى مثل هذا البُطل - بل السُّخف - على العلامة الآلوسي - غفر الله لنا وله -.
وأغرب من ذلك كله قول ابن تيمية في رسالة ((إيضاح الدلالة في عموم الرسالة)) (ص 125 - مجموعة الرسائل المنيرية):
((وقد يتناكح الإنس والجن، ويولد بينهما ولد، وهذا كثير معروف))!!
وأقول: نعم؛ هو معروف بين بعض النسوة الضعيفات الأحلام والعقول، ولكن أين الدليل الشرعي والعقلي على التوالد أولاً، وعلى التزاوج الشرعي ثانياً؟! هيهات هيهات!
السلسلة الضعيفة 12/ 605: 608
الخامس: لم يضره بإيقاعة فى كبيرة لا يتوب منها.
من فوائد الحديث
(1) جواز استعمال كلمة " لو " وقد ورد فى المنع من استعمال كلمة " لو " حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ "
رواه مسلم فى كتاب القدر [بَاب فِي الْأَمْرِ بِالْقُوَّةِ وَتَرْكِ الْعَجْزِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَتَفْوِيضِ الْمَقَادِيرِ لِلَّهِ]
قلت: جمع أهل العلم بين حديث النهى عن استعمال كلمة " لو " و بين الأحاديث التى ورد فيها استعمال كلمة " لو " بما يلى:
قال النووى رحمه الله:
" وَقَدْ جَاءَ مِنْ اِسْتِعْمَال (لَوْ) فِي الْمَاضِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ اِسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْي). وَغَيْر ذَلِكَ. فَالظَّاهِر أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ عَنْ إِطْلَاق ذَلِكَ فِيمَا لَا فَائِدَة فِيهِ، فَيَكُون نَهْي تَنْزِيه لَا تَحْرِيم. فَأَمَّا مَنْ قَالَهُ تَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَ مِنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى، أَوْ مَا هُوَ مُتَعَذَّر عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْو هَذَا، فَلَا بَأْس بِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل أَكْثَر الِاسْتِعْمَال الْمَوْجُود فِي الْأَحَادِيث. وَاَللَّه أَعْلَم. " مسلم بشرح النووى 9/ 19
قال الطبرى رحمه الله:
¥