وفى التعبير عن الوسوسة بالطائف إشعار بأنها وإن مست هؤلاء المتقين فغنها لا تؤثر فيهم، لأنها كأنها طافت حولهم دون أن تصل إليهم.
وقوله {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} أى: فإذا هم مبصرون مواقع الخطأ، وخطوات الشيطان، فينتهون عنها. (التفسير الوسيط 1/ 1759)
(2) قال تعالى:
{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (الزخرف36)
قال السعدى رحمه الله:
" يخبر تعالى عن عقوبته البليغة، لمن أعرض عن ذكره، فقال: {وَمَنْ يَعْشُ} أي: يعرض ويصد {عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده، فمن قبلها، فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب، ومن أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبداً، وقيَّض له الرحمن شيطانا مريداً، يقارنه ويصاحبه، ويعده ويمنيه، ويؤزه إلى المعاصي أزَّاً " (تفسير السعدى 766)
ثانياً: النصوص من السنة النبوية المطهرة.
(1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ "
رواه البخارى فى كتاب بدء الخلق [بَاب صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ]
ورواه مسلم فى كتاب الذكر و الدعاء [بَاب فَضْلِ التَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ]
(2) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ "
رواه أبو داود، و الترمذى، و هو فى صحيح الجامع 6419
(4) فى قول النبى صلى الله عليه و سلم (إن يقدر بينهما ولد) أنَّ الله تعالى هو الميسر لوجود الولد، و ليس مجرد لقاء الرجل مع زوجته، بل لابد من تيسير الله - عز وجل - و توفيقه قال تعالى:
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (الشورى 49: 50)
وعن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" اللهُمَّ لا سَهْلَ إلا ما جَعَلْتَه سَهْلاً، وأنْتَ تجْعلُ الحَزْنَ إذا شِئْتَ سَهْلاً "
رواه ابن حبان، و ابن السُنِّى، و هو فى السلسلة الصحيحة 2886
(5) استعمال الكناية فى اللفظ الذى يُسْتَقْبَحُ ذكره لقوله صلى الله عليه و سلم: [يأتى] بدلاً من قوله [يجامع]
والكناية هى لفظٌ أُرِيدَ به لازم معناه مع جواز إرادة المعنى الأصلى بشرط عدم وجود قرينة مانعة من إرادته يقال: كَنَّى الشخصُ عن كذا كناية أى تكلم بكلام يُسْتَدَلُّ به على شَئً، و لم يصرح به.
وبهذا الأدب جاء القرآن العزيز وجاءت السنة النبوية.
كقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} (البقرة: 187)
و قوله تعالى: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} (النساء:21)
و قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} (البقرة: 237)
و قوله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} (المائدة: 6)
و قد يستعمل التصريح بما يستحى من ذكره لمصلحة راجحة مثل:
* إزالة اللبس أو الاشتراك.
* نفي المجاز أو نحو ذلك.
كقوله تعالى (الزانية والزاني) وكقوله - صلى الله عليه وسلم - (أنكتها) وكقوله - صلى الله عليه وسلم - (أدبر الشيطان وله ضراط).
تنبيهات هامة
(1) أُشْكِلَ هذا الحديث على كثير من الناس وقالوا: إننا قد نشاهد أولاداً آباؤهم عبَّاد وصالحون وأهل تقوى، ونتحقق أنهم يعملون بهذا الحديث، وأنهم لا يتركون مثل هذا الدعاء، ومع ذلك نرى أبناءهم قد انحرفوا وقد وقع منهم شيء من الفسوق ومن المعاصي التي يدعو إليها الشيطان، فكيف أغراهم وقد استعيذ منه عند الوقاع وعند انعقاد الولد في ذلك الوقاع؟؟
فأجاب أهل العلم عن هذا الإشكال فقالوا:
قد يغفل أحدهم في بعض الأحيان، وقد تكون استعاذته استعاذة باللسان لا بالقلب، وقد يكون هناك أسباب تفسد الإنسان وإن لم تكن من الشيطان، بل من أعوان الشيطان الذين هم شياطين الإنس وما يشبه ذلك، وقد يكون الحديث محمولاً على الكفر، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: (لم يضره الشيطان أبداً) يعني: لم يخرجه من الإسلام ويدخله في الكفر.
وعلى كل حال نحث على العمل بهذه الأحاديث حتى يكون الإنسان باذلاً للسبب، والله تعالى هو الموفق والمعين.
(2) هل تقول المرأة هذا الدعاء عند الجماع؟
قال بعض العلماء: إن المرأة تقوله، والصواب أنها لا تقوله لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: " لو أن أحدكم إذا أتى أهله "، ولأن الولد إنما يخلق من ماء الرجل كما قال الله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق]، فالحيوانات المنوية إنما تكون من ماء الرجل، ولهذا هو الذي يقول إذا أراد أن يأتى أهله
: " بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا " (الشرح الممتع 12/ 156)
¥