تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فتغيب عنه الهموم والاحزان تلك الساعة # ومن الناس من يقصد المنفعة للبدن ولكن يحصل له من المضرة بالأفعال والأقوال التي تتولد عن السكر ويمنع عن المنفعة من ذكر الله والصلاة وغيرهما ما هو اعظم اثما من منفعتها فإن اللذة

الحاصلة بذكر الله والصلاة باقية دافعة للهموم والاحزان ليس دفعه اياه وقت الصلاة فقط كما قال تعالى ^ واستعينوا بالصبر والصلاة ^ سورة البقرة 45 وقال ^ ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ^ سورة العنكبوت 45 ففي هذه اللذة والمنفعة العظيمة الشريفة الدافعة للمضار ما يغني عن تلك القاصرة المانعة مما هو اكمل منها والجالبة لمضرة تربي عليها وهذا السكر جسماني # ومن السكر ما يكون بحب الصور اما النساء واما الصبيان فإنه اذا استحكم الحب وحصل للمحب اتصال فقد يسكر كما قال بعضهم % سكران سكر هوى وسكر مدامة % فمتى إفاقة من به سكران % # ووقت الجماع ينقص تمييز اكثر الناس ايضا وهو مبدأ سكر # ومن السكر ايضا ما يكون بحب الرياسة والمال او شفاء الغيظ فإنه اذا قوى ذلك اوجب سكرا وانما كانت هذه الاشياء قد توجب سكرا لأن السكر شبيه ما يوجب اللذة القاهرة التي تغمر العقل

# وسبب اللذة ادراك المحبوب فإذا كانت المحبة قوية وادراك المحب قويا والعقل والتمييز ضعيفا كان ذلك سببا للسكر لكن ضعف العقل تارة يكون من ضعف نفس الانسان المحب وتارة يكون من قوة السبب الوارد ولهذا يحصل من السكر للمبتدئين في ادراك الرياسة والمال والعشق والخمر ما لا يحصل لمن اعتاد ذلك وتمكن فيه

فصل ومن أقوى الأسباب المقتضية للسكر سماع الأصوات المريبة من وجهين من

جهة انها في نفسها توجب لذة قوية ينغمر معها العقل ومن جهة أنها تحرك النفس إلى نحو محبوبها كائنا ما كان فتحصل بتلك الحركة والشوق والطلب مع ما قد تخيل المحبوب وتصوره لذات عظيمة تقهر العقل أيضا فتجتمع لذة الألحان والاشجان ولهذا يقرن سماع الألحان بالشرب كثيرا إما شراب الأجسام وإما شراب النفوس وإما شراب الأرواح وهو ما يقترن بالصوت من الأقوال التي فيها ذكر الحب والمحبوب وأحوالهما فإن سماع الأقوال شراب وغذاء وقوت للقلوب فيجتمع

سماع الحروف الطيبة والاصوات الطيبة فإن ذلك اقوى مما اذا انفرد احدهما مثل سماع كلام يطيب للمستمع بلا اصوات ملحنة مثل من يناجي بحديث لحنه او يجهر به جهرا قريبا ومثل سماع اصوات طيبة لا حروف فيها كأصوات الطيور الطيبة واصوات الآلات المصنوعة من العيدان والاوتار والشبابة والصوت الذي يلحنه الآدمي بلا حروف ونحو ذلك فأما اذا اجتمع هذا وهذا فهو اقوى ويؤثر في النفوس تأثيرا عظيما كتأثير الخمر او اشد

فصل اذا تبين هذا فاعلم ان اللذة والسرور امر مطلوب بل هو مقصود

كل حي وكونه امرا مطلوبا ومقصودا امر ضروري من وجود الحي وهو في المقاصد والغايات بمنزلة الحس والعلوم البديهية في المبادئ والمقدمات # فإن الانسان بل وكل حي له علم واحساس وله عمل وارادة فعلمه لا يجوز ان يكون كله نظريا استدلاليا يقف على الدليل بل لا بد له من علم بديهي اولى لأنه لو وقف كل علم

على علم اخر لزم الدور او التسلسل فإنه اذا توقف العلم الثاني على علم اول فالأول ان توقف على ذلك الثاني بحيث لا يكون الا بعده لزم الدور وان توقف على شيء قبل ذلك الاول لزم التسلسل فلا بد من علم اول يحصل ابتداء بلا علم قبله ولا دليل ولا حجة ولا مقدمة # وذلك علم بده النفس وابتدئ فيها وهو اول فيسمى بديهيا واوليا وهو من نوع ما تضطر النفس اليه فيسمى ضروريا فإن النفس تضطر الى العلم تارة والى العمل اخرى # وذلك العمل الاختيار الارادي له مراد فذلك المراد اما ان يراد لنفسه او لشيء اخر ولا يجوز ان يكون كل مراد لغيره لانه ان كان الذي قبله دائما لزم الدور وان كان الذي بعده دائما لزم التسلسل فلا بد من مراد مطلوب محبوب لنفسه فإذا حصل المحبوب المطلوب المراد فاقتران اللذة والنعمة والفرح والسرور به على مقدار قوة محبته وارادته وقوته في نفسه امر ذوقي وجودي ضروري ولهذا غلب على كلام العباد الصوفية اهل الارادة والعمل اسم الذوق والسرور والنعمة # فالشهوة والارادة والمحبة والطلب ونحو ذلك من الاسماء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير