تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: وهذا نذر وقربان للقبر، إذ الصدقة هنا من أجل القبر المعبود من دون الله، وهو من جنس ما كان المشركون يفعلونه عند أوثانهم وأصنامهم، يتقربون إليها بأنواع النذور والقرابين.

فإن قيل: أليس الله قد أمر المؤمنين في كتابه بتقديم صدقة بين يدي نجواهم للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة، ذلك خير لكم وأطهر، فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) (المجادلة:12).

فالجواب: إن هذا الحكم منسوخ، كما قال المفسرون، ودليل النسخ الآية التالية، وهي قوله تعالى: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات، فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) (المجادلة:13).

قال ابن كثير رحمه الله " تفسير ابن كثير (4/ 326 - 327): "فنسخ وجوب ذلك عنهم" ثم ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه قوله: "كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة فلما نزلت الزكاة نسخ هذا". ثم قال: "وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) وذلك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن نبيه عليه السلام، فلما قال ذلك جبن كثير من المسلمين وكفوا عن المسألة، فأنزل الله بعد هذا (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) .. الآية فوسع الله عليهم ولم يضيق".

قلت: فإذا تقرر أن الحكم قد نسخ، فإن العمل به أو إيجابه بعد نسخه هو من الشرع الذي لم يأذن له الله، قال الله عز وجل: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (الشورى: 21).

وهو من الكذب على الله والقول عليه بغير علم، وقد قال تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (الأعراف: 33).

**

ثانياً: الشرك في الربوبية

قد ذكرنا من قبل أن شرك الأولين كان في الألوهية والعبادة، وأما الربوبية، وهي الاعتقاد بأن الله هو الخالق الرازق المدبر للأمر المتصرف في الكون علويه وسفليه، وأن بيده مقاليد كل شيء وأنه يجير ولا يجار عليه، فكانوا مقرين بها، كما أخبر الله عنهم في أكثر من موضع في كتابه، فقال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) وقال: (قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله، قل فأنى تسحرون) (المؤمنون: 86 - 89).

وقال تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (يوسف: 106).

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السماء؟ ومن خلق الأرض، ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون ". وقال مجاهد رحمه الله: "إيمانهم قولهم: الله خالقنا، ويرزقنا ويميتنا، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره " "تفسير ابن جرير " (16/ 286 - 287).

قلت: فكان يكفي المخالف أن يقتصر على شرك العبادة فيكون في عداد أولئك المشركين، إلا أنه أبى واستكبر، وأصر على الانحطاط في دركات أبعد في الشرك والكفر فأضفى على النبي صلى الله عليه وسلم خصائص الرب العُلَى، ونازعه في أفعاله وأسمائه الحسنى. ومن أمثلة ذلك:

1 - قوله في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: "الخليفة الأكبر الممد لكل موجود". "الذخائر" (ص233)

وقوله: "السلام عليك يا معنى الوجود، السلام عليك يا منبع الكرم والجود" "شفاء الفؤاد" (ص113).

وقوله: "تختلف أحوال الزائرين في استفادتهم من زيارتهم واستمدادهم من الله بواسطة نبيهم المصطفى وحبيبهم المجتبى صلى الله عليه وسلم، وبحسب استعدادهم في تلقي الفيوضات الإلهية والواردات الربانية بواسطة الحضرة المحمدية " "شفاء الفؤاد" (ص124).

2 - ويقول "شفاء الفؤاد" (ص212):

يا من يجود على الوجود بأنعم ... خضر تعم عموم صَوْب الصَّيب

يا غوث من في الخافقين وغيثهم ... وربيعهم في كل عام مجدب

ويقول "شفاء الفؤاد" (ص230):

يا غياث الخلق يا ذا الفضل ... والجود والإحسان في بحر وبر

ويقول "شفاء الفؤاد" (ص225):

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير