ولو ضرب وحبس وأوذي بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذي يجب اتباعه واتبع حكم غيره كان مستحقاً لعذاب الله بل عليه أن يصبر وإن أوذي في الله فهذه سنة الله في الأنبياء وأتباعهم، قال تعالى: [العَنكبوت: 1 - 3] {الم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ *وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ *} .. الخ) انتهى.
الرابع: شرك المحبة:
وهو أن يحب مع الله غيره كمحبته لله أو أشد من ذلك، قال تعالى مبيناً حال المشركين في هذا الباب: [البَقَرَة: 165] {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}.
فسماهم أنداداً من دون الله.
ومن أهل الشرك من يجعل لله تعالى مساوياً ومثيلاً يحبه كمحبته لله، وربما يزيد على ذلك، ويختلف المشركون في قدر محبتهم لمعبودهم من دون الله، ولكن المؤمنون يحبون الله أشد من محبة أهل الشرك لله ولما يعبدونه من دون الله.
فإذا كان من أحب غير الله فوق محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه صلى الله عليه وسلم كما في «المسند» و «الصحيحين» من حديث أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».
فنفى عنه الإيمان، فكيف بمن أحب غير الله فوق محبة الله.
وحقيقة المحبة أن يُحَب الشيء وما يحبه ويكره ما يكرهه، فالمشرك يُحب آلهته من صنمٍ ووثنٍ أو قبرٍ وضريحٍ، فيغضب إذا امتهنت وأُهينت أشد من غضبه لله، ويُسر لها أشد من سروره لله، وذلك لأنه يُحب غير الله أشد من حبه لله.
والمحبة تقتضي عدم مخالفة المحبوب، فبقدر ورود المخالفة للمحبوب يكون نقص المحبة له، قال الله تعالى: [آل عِمرَان: 31] {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
قال ابن القيم رحمه الله في أقسام المحبة كما في «الجواب الكافي»: (1/ 134).
(هنا أربعة أنواع من الحب، يجب التفريق بينها، وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينها:
أحدها: محبة الله، ولا تكفي وحدها في النجاة من عذابه والفوز بثوابه فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
الثاني: محبة ما يحبه الله، وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.
الثالث: الحب لله وفيه، وهي من لوازم محبة ما يحب الله ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.
الرابع: المحبة مع الله، وهى المحبة الشركية وكل من أحب شيئا مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه نداً من دون الله وهذه محبة المشركين) انتهى كلامه.
وقال رحمه الله تعالى في «كتاب الروح»: (1/ 254):
(والفرق بين الحب في الله والحب مع الله وهذا من أهم الفروق وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا فالحب في الله هو من كمال الإيمان والحب مع الله هو عين الشرك) انتهى كلامه.
ومن صور الشرك الأكبر التي ذكرها المصنِّف الذبح لغير الله: والذبح والنحر من أعظم العبادات والقربات، فوجب أن لا تُصرف إلا لله خالصة له من غير شركٍ، قال تعالى: [الكَوثَر: 2] {فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *}، وقال جل شأنه: [الأنعَام: 162] {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}.
ومن صرفها لغير الله فقد صرف عبادة لغير الله وأشرك مع الله غيره ولم يكن من المسلمين.
فمن ذبح لغير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو للجن أو للقبر أو للكعبة أو لشجرٍ أو حجرٍ أو مكانٍ، فهذا شرك وكفر بالله العظيم، وذبيحته حرام لا تحل سواء كان الذابح مسلماً أو يهودياًً أو نصرانياً، وإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً عن الإسلام، لأنه صرف عبادةً من أعظم العبادات لغير الله كمن سجد لغير الله.
¥