تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكقول: (ما شاء الله وشئت) لما روى الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي في «الكبرى» من حديث يزيد الأصم عن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال: ما شاء الله يعني وشئت، فقال: «ويلك اجعلتني والله عِدلاً، قل: ما شاء الله وحده».

والحق أن يقال: ما شاء الله وحده أو ما شاء الله ثم شئت، ومثله لولا الله ثم فلان، فتكون مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله قال تعالى: [التّكوير: 29] {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ *}.

والأصل في هذا الشرك أنه شرك أصغر، وقد يصل إلى الشرك الأكبر بحسب نية قائله وقصده، فإن قصد تعظيم غير الله كتعظيم الله فقد أشرك شركاً أكبر.

وأما شرك الأفعال كلبس الحلقة والخيط لرفع البلاءِ أو دفعه، وكتعليق التمائم خوفاً من العين، لما روى أحمد من حديث دخين عن عقبة مرفوعاً: «من تعلق تميمة فقد أشرك».

فمن اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاءِ ودفعه فهو شرك أصغر، وأما إن اعتقد أنها تدفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر.

النوع الثاني: الشرك الخفي:

وهو الشرك في النيات والمقاصد والإرادات كالرياءِ والسمعة كمن يعمل عملاً مما يتقرب به إلى الله فيُحسن عمله من صلاةٍ أو قراءةٍ لأجل أن يمدح ويثنى عليه، لما روي في «المسند» من حديث يزيد بن الهاد عن عمرو عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء».

وهذا النوع من الشرك لا يكاد يسلم منه أحد، قال ابن القيم رحمه الله:

(فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقلَّ من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئاً غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيَّته وإرادته) أ. هـ.

قال بعض أهل المعرفة في هذا الباب:

(هو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها، يبتلى به العلماء والعباد والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة، فإنهم مهما قهروا أنفسهم وفطموها عن الشهوات، وصانوها عن الشبهات، عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة، وطلبت الاستراحة إلى إظهار العلم والعمل، فوجدت مخلصاً من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق، ولم تقنع باطلاع الخالق، وفرحت بحمد الناس، ولم تقنع بحمد الله وحده، فأحبت مدحهم وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقديمه في المحافل، فأصابت النفس بذلك أعظم اللذات وأعظم الشهوات، وهو يظن أن حياته بالله وبعبادته، وإنما حياته هذه الشهوة الخفية التي تعمى عن دركها العقول النافذة، وقد أثبت اسمه عند الله من المنافقين وهو يظن أنه عند الله من عباده المقربين) انتهى.

وهذا النوع نوع دقيق جداً، وللشيطان فيه من المسلم نصيب عظيم القدر، حتى من أهل الزهادة والعبادة، وضل فيه أكثر الناس، بين مُسرفٍ علَّق قلبه بمدح الناس أو ذمهم فلم يكن له في الآخرة من عمله نصيب، وبين تاركٍ للعبادة خشية الرياء والسمعة.

وقد تمادى أصحاب هذا المسلك حتى قصدوا ذمّ الناس ولومهم، ففعلوا ما يلامون عليه، وسموا بـ (الملامية)، أرادوا بذلك مقابلة أهل الرياء والسمعة، والحق بين ذلك، الأمر بالإخلاص في الطاعة، والحث على الإكثار من العمل الصالح، فالإخلاص هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل قال تعالى: [البَيّنَة: 5] {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.

_ والعمل الذي يرد عليه الرياء لا يخلوا من حالات ذكرها الحافظ ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» ومُلخّصها:

الأولى: أن ينشيء العامل العبادة من أصلها لغير الله، فلا يريد بها إلا متاع الدنيا المحض، فهذا العمل عمل المنافقين، ولا يُتصور وقوعه من مؤمن، بل هو من صفات المنافقين الخُلّص قال تعالى: [النِّسَاء: 142] {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً *}.

ولا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة التي يتعدى نفعها فإن الإخلاص فيها عزيز وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير