الثانية: يكون العمل لله ويشاركه الرياء من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضاً وحبوطه وفي «صحيح مسلم» عن العلاءِ بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه).
العمل إذا خالطه شيء من الرياء كان باطلاً، ولا نعرف عن السلف في هذا خلافاً وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين.
الثالثة: أن يكون أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء، فإن كان خاطراً ودفعه لا يؤثر بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا؟ ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى.
_خ وروي نحو هذا التقسيم عن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله قال:
الرياء على ثلاثة وجوه:
أحدها: أن يعقد في أصل فعله لغير الله ويريد به أن يعرف أنه لله فهذا صنف من النفاق وتشكك في الإيمان.
الثاني: دخل في الشئ لله فإذا اطلع عليه غير الله نشط فهذا إذا تاب يزيد أن يعيد جميع ما عمل.
والثالث: دخل في العمل بالإخلاص وخرج به لله، فعرف بذلك ومدح عليه وسكن إلى مدحهم فهذا الرياء الذي نهى الله عنه. انتهى. _خ مسألة:
وقد يكون الامتناع من عمل الخير خشية الرياء رياء، روى البيهقي في «شعب الإيمان» من حديث محمد بن عبدويه قال سمعت الفضيل بن عياض يقول:
(ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما) انتهى.
قال النووي رحمه الله:
(ومعنى كلامه أن من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراه الناس، فهو مراءٍ، لأنه ترك العمل لأجل الناس، أما لو تركها ليصليها في الخلوة فهذا مستحب، إلا أن تكون فريضة، أو زكاة واجبة، أو يكون عالماً يقتدى به، فالجهر بالعبادة أفضل ... ) انتهى.
الناقض الثاني
(من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، كفر إجماعاً):
وهذا الناقض هو الذي وقع فيه مشركو قريش، حيث جعلوا مع الله وسائط تقربهم إلى الله زلفى، مع إيمانهم بربوبية الله، قال تعالى حاكياً عنهم: [الزُّمَر: 3] {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} قال تعالى: [يُونس: 18] {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}
والشرك في الربوبية باعتبار خالقين متماثلين في الأفعال والصفات ممتنع.
وما ذهب إليه بعض المشركين إلى أن معبوداتهم تملك بعض التصرف في الكون، وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم، وتلاعب بعقولهم كل قوم بحسب عقلهم، فطائفة أشركوا بتعظيمهم للموتى وأهل القبور، وطائفة بالنجوم والكواكب، وطائفة صوروا الأصنام على هيئة معبوديهم التي استقرت في نفوسهم، كالصالحين، والكواكب وغيرها، وسوّل لهم الشيطان أنها وسائط وشفعاء يشفعون لهم عند الله في قضاء حوائجهم وكشف الملمات وتفريج الكربات.
وهذا الناقض وقع فيه كثير ممن ينتسب للإسلام في هذا العصر، جعلوا بينهم وبين الله وسائط، وهو الشرك الذي وقع فيه كفار قريش، إلاَّ أن هؤلاءِ زعموا تصديقهم واتباعهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أبعد عن هدي الرسل، وقد أنكر نبي هذه الأمة هذا الشرك على كفار قريش وبين أنهم يعبدون من دون الله آلهة أخرى، لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً وسماهم كفاراً ومشركين.
قال تعالى: [سَبَإ: 22 - 23] {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَْرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ *وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ *}.
¥