قال تعالى: [الزُّمَر: 38] {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}
وقال تعالى: [مَريَم: 81 - 82] {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا *كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا *}
مع إقرارهم بأن الله هو الخالق، ولا يقدر على الخلق والرزق والإحياء والإماته إلا الله، ومع هذا لم يصيروا مسلمين موحدين بل كانوا مشركين.
وتبع المشركين على هذا كثير ممن يتسمى بالإسلام فعظّموا الأضرحة والمزارات وتقربوا إليها بالذبح والنذر وسألوها قضاء الحوائج، وجعلوها وسائط من دون الله كما فعل كفار قريش وهو إشراك بالله تعالى.
وكان سبب ذلك تشبيههم للخالق بالمخلوق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «المجموع»: (1/ 126):
(وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه كالحجاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم، وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس، لقربهم منهم والناس يسألونهم، أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك، لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج.
فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق وجعلوا لله أنداداً) انتهى.
وتعلَّق المشركون الذين جعلوا بينهم وبين الله وسائط بالشفاعة التي يرجونها من وسطائهم قال تعالى مبيناً حجتهم في شركهم: [الزُّمَر: 3] {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقال: [يُونس: 18] {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}.
وهذه الشفاعة التي يرجونها شفاعة باطلة منفية، قال الله تعالى: [الأنعَام: 51] {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} وقال تعالى: [البَقَرَة: 254] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ *}
وأخبر الله تعالى أن ما يرجونه من شفاعة من هؤلاء يوم القيامة تنتفي عنهم يوم القيامة وتكون حسرة وندامة عليهم ويقولون: [الشُّعَرَاء: 100 - 101] {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ *وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ *}.
_خ والشفاعة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين:
الأولى: شفاعة منفية: وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ونفاها الله وأبطلها كما سبق في الآيات.
الثانية: شفاعة مثبته: وهي التي أذن الله فيها وهي التي تطلب من الله وحده، وهي لأهل الإيمان والتوحيد خاصة، وأثبتها الله بشرطين اثنين:
الأول: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع قال تعالى: [البَقَرَة: 255] {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}
الثاني: رضا الله عن المشفوع له، قال تعالى: [الأنبيَاء: 28] {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}
وقال تعالى مبيناً هذين الشرطين: [النّجْم: 26] {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى *}.
الناقض الثالث
(من لم يُكفِّر المُشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر):
ومن حكم الله بكفره من أهل الكتاب والمشركين وأهل الإلحاد وأهل الردة وغيرهم يجب القطع بكفرهم وهذا من لوازم التوحيد، فالتوحيد لا بد فيه من أمرين:
الأول: الكفر بالطاغوت.
الثاني: الإيمان بالله.
وهذا هو معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فمعناها: لا معبود بحق إلا الله.
فقولنا (لا إله) نفي لأحد يستحق العبادة، وكفر بالطاغوت، وقولنا (إلا الله) إيمان بالله واستثناء لعبوديته وحده.
¥