وقد تجرأ كثير ممن يتسمى بالإسلام على كثير من أحكام الله، وهدي نبيه، تصريحاً أو تلميحاً بالكراهية لها، فتنوعت أهوائهم بردها، تارةً بأنها ليست مُلزمة، وتارةً بأنها خاصة بزمان ولّى وانقضى، وكل هذا من محادّة الله ورسوله.
ومن وقع في شيء من المعاصي مقراً بذنبه كشارب الخمر ومقترف الزنا وآكل الربا مع اعتقاده حرمتها فهو كسائر العصاة المذنبين الذين هم تحت مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء عاقبهم.
ولا يلزم من ارتكاب الحرام بغض تحريمه، ولا من ترك الواجب بغض إيجابه، ومن ألزم بذلك فقد سلك مسلك الخوراج في تكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار.
والآيات والأحاديث والآثار في بيان أن مرتكب الكبيرة باقٍ على إسلامه لا يلزم من ارتكابه بغضه للتشريع أكثر وأشهر من أن تذكر، ومن ذلك ما رواه البخاري في «صحيحه» من طريق زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتى به يوماً فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله».
فقد منع من لعنه فضلاً عن إلزامه بكره وبغض تحريم الخمر.
_خ مسألة:
والكره الذي لا يقع على ذات التشريع، مما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ككره الزوجة أن يُعدِّد عليها زوجها، وككره المؤمنين للقتال لما فيه من فقد النفس والمال قال تعالى: [البَقَرَة: 216] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}.
ونحوه كره المتوضئ الوضوء في اليوم البارد، قال عليه الصلاة والسلام: «وإسباغ الوضوء على المكاره».
وهذا أمر فطري لا يملكه العبد، فالزوجة لم يقع كرهها على ذات التشريع، والحكم العام في الإسلام، وإنما كرهت أن يتزوج زوجها زوجة أخرى، تكون قسيمة وضرة لها.
والمقاتل إنما كره القتال لما جبلت عليه النفس من حب الحياة وكراهية الموت لكنه مقر بفضل القتال في الإسلام، وقوله تعالى: ُ)، + ِ أي شديد عليكم ومشقة، فإن المجاهد إما أن يقتل أو يجرح مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء. الناقض السادس
(الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قول الله تعالى: [التّوبَة: 65 - 66] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *}).
قد توعد الله من اتخذ آياته هزواً ولعباً بالعذاب المهين، فقال: [الجَاثيَة: 9] {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *}.
وإعداد العذاب المهين في القرآن لم يأتي إلا في حق الكفرة والمشركين.
وآيات الله دلائله وحججه وأمره ونهيه.
قال ابن حزم في «الفصل»: (3/ 299):
(صح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى، بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر) انتهى.
فالاستهزاء بالدين ردّة عن الإسلام، وخروج من ملّة خير الأنام، وإن كان المستهزيء مازحاً أو هازلاً، وقول الله تعالى: [التّوبَة: 65 - 66] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *} دال على أن الاستهزاء بالله كفر، وأن الاستهزاء بالرسول كفر، وأن الاستهزاء بشيء من دين محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته كفر، فمن استهزأ بواحد منها مستهزيء بها كلها جميعها.
¥