تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولعظيم خطر الاستهزاء بالدين حذر الله من الجلوس مع المستهزئين فقال تعالى: [النِّسَاء: 140] {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا *}

قال ابن كثير في «تفسيره»: (1/ 567):

(أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم الجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها، وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه) انتهى.

ومن سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر بإجماع المسلمين نقل الإجماع على ذلك جماعة من الأعلام كإسحاق بن راهوية ومحمد بن سحنون وابن عبد البر وأبو بكر الفارسي والقاضي عياض والسبكي وابن تيمية وغيرهم.

قال القاضي عياض حاكياً إجماع الأمة على ذلك في كتاب «الشفا»: (2/ 932):

(اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرَّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب، وكذلك من لعنه، أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر، ومنكر من القول وزوراً، أو عيَّره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لدية، وهذا كله إجماع من الصحابة وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرا ... لا نعلم خلافاً في استباحة دمه بين علماءِ الأمصار وسلف الأمة وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره) انتهى.

_* والاستهزاء وسب الصحابة له صور:

- منها: ما هو كفر وردة بالإجماع، كالاستهزاء بهم عامَّة أو سبهم بالجملة أو اتهامهم بالنفاق أو الردة، وتعميم ذلك عليهم إلا نزراً يسيراً، وقد حكى الإجماع على كفر من يفعل هذا جماعة من العلماء كابن حزم الأندلسي، والقاضي أبي يعلى، والسمعاني وابن تيمية وابن كثير وغيرهم.

لأن فاعل هذا لا يريد بسبِّه واستهزائه أشخاصهم ولكنه يريد دينهم وصحبتهم، حيث عمَّم ذلك عليهم، وهم متفاوتون في الخُلُق والخَلق.

وقد يكفر من وقع في واحد منهم كمن سبَّه أو استهزأ به لأجل دينه وصحبته لا لأجل شخصه وخُلقه وخَلقه.

- ومنها: ما ليس بكفر، ولكن صاحبها يستحق التفسيق والتعزير والزجر، كالاستهزاء بقِلَّة منهم واتهام بعضهم بالجبن، أو البخل أو قلة العلم ونحو ذلك.

_خ وأما الاستهزاء بأهل العلم والصلاح فعلى نوعين:

النوع الأول: السخرية والاستهزاء بأشخاصهم، كالاستهزاء بصفتهم الخَلقية أو الخُلقية، فهذا النوع محرَّم لقوله تعالى: [الحُجرَات: 11] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ}

النوع الثاني: السخرية والاستهزاء بأهل الصلاح لأجل صلاحهم، وبأهل العلم لأجل علمهم، فهذا النوع كفر وردَّة عن الملَّة، لأن المقصود منه استهزاء بدين الله الذي يحملونه، فلم يقع الاستهزاء على أشخاصهم، وإنما وقع على استقامتهم وعلمهم.

وقد جعل الله هذا النوع من الاستهزاء بالإسلام فقال تعالى: [التّوبَة: 65 - 66] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *}

وسبب نزول هذه الآية ما تقدم ذكره وهو ما رواه ابن جرير الطبري في «تفسيره»: (10/ 172) عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلسٍ: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير