* وأما السحر الرياضي الذي يرجع إلى سرعة الحركة وقوّة الجسد وخفّة اليد والسحر بالتمويه، وهو ما يكون بقلب الحقائق وإظهارها على غير حقيقتها، فهذان من التدليس والخداع والغش، وإنما أدخل هذه الأنواع المذكورة في السحر للطافة مداركها وخفائها؛ لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفى سببه ولهذا جاء في الحديث: «إن من البيان لسحراً».
* وحكم الساحر يظهر مما سبق من تقسيم على الصحيح، وقد اختلف العلماء فيه على قولين:
فمنهم من أطلق الكفر، كما هو ظاهر صنيع المصنِّف الإمام محمد بن عبد الوهاب وهو قول جمهور العلماء لقوله تعالى: [البَقَرَة: 102] {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}
ومنهم من نص على التقسيم الذي ذكرناه وهو الأظهر، ومن أطلق الكفر فظاهره أنه يقصد القسم الأول.
وقتل الساحر اختلف فيه العلماء بناءً على اختلافهم في حكم الساحر، فإن كان سحره كفراً قتل مرتَداً.
وإن كان سحره دون الكفر، قتل دفعاً لأذاه وشرّه وكفاً لفساده، وهذا يرجع للمصلحة المترتبة على بقائه.
قال ابن هبيرة _ح في كتابه «الإشراف على مذاهب الأشراف»:
(وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله:
- فقال مالك وأحمد: نعم.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا.
فأما إن قتل بسحره إنساناً فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معيَّن.
- وإذا قتل فإنه يقتل حداً عندهم إلا الشافعي فإنه قال يقتل والحالة هذه قصاصاً) انتهى.
_خ مسألة:
ولا يصح في الأمر بقتل الساحر خبر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما رواه الترمذي في «سننه»: (4/ 60) والطبراني في «الكبير»: (2/ 161) والدارقطني: (3/ 114) وغيرهم من حديث إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن البصري عن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حد الساحر ضربة بالسيف».
فهو خبر لا يصح رفعه، فإسماعيل اضطرب فيه، فتارة يرسله وتارة يصله، وإسماعيل يُضَعَّف.
وتابعه خالد العبدي عند الطبراني في «معجمه الكبير» وخالد واهٍ.
وصوَّب الترمذي وقفه.
قال الترمذي في «علله»:
(سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء) انتهى.
لكن صح هذا عن جماعة من الصحابة: منهم عمر بن الخطاب كما رواه أحمد في «المسند»: (1/ 190) وأبو داود في «سننه»: (3043) والبيهقي في «الكبرى»: (8/ 136) عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر.
وحفصة كما رواه البيهقي في «سننه»: (8/ 136) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما أن جارية لها سحرتها فأقرت بالسحر، وأخرجته، فقتلتها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فغضب، فأتاه ابن عمر رضي الله عنه فقال: جاريتها سحرتها أقرت بالسحر وأخرجته، قال: فكف عثمان رضي الله عنه، قال: وكأنه إنما كان غضبه لقتلها إياها بغير أمره.
وجندب كما رواه البيهقي في «سننه»: (8/ 136) من طريق خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي عن جندب في قصة.
وخالد الحذاء لم يسمع من أبي عثمان النهدي، قاله أحمد، وحديثه عنه مخرج في «الصحيحين».
وأخرجه من وجه آخر البخاري في «التاريخ»: (2/ 222) من طريق عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن جندب بنحوه.
قال الإمام أحمد بن حنبل:
(صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر) انتهى.
_خ مسألة:
وإن تاب الساحر قُبلت توبته على الصحيح من أقوال العلماء، وقد اختلفوا في ذلك:
قال ابن هبيرة:
(وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟:
- فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم لا تقبل.
وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى تقبل.
وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم.
وقال مالك وأحمد والشافعي لا يقتل يعني لقصة لبيد بن الأعصم.
- واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل ولكن تحبس.
- وقال الثلاثة حكمها حكم الرجل والله أعلم) انتهى.
الناقض الثامن
¥