تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما في العهد المريني، فإن كل علوم العصر قد درست وألف فيها. ففي جامع القرويين يدرس – إلى جانب الفقه والتفسير – علوم الرياضيات وعلم الفلك وعلوم أخرى مشابهة. وقد جلبت أو نسخت كل المؤلفات التي تعالج هذه العلوم مما زاد رصيد المخطوطات في المغرب تنوعا وغنى وحفز العلماء والوجهاء والملوك إلى البحث عن المخطوطات واقتنائها مهما كان الثمن. إنه العهد الذي عرف خلاله المغرب أكبر العقول وأهم الكتب في التاريخ والحضارة. ولم تكن عهود الشرفاء السعديين والعلويين بأقل اهتماما من هؤلاء بجمع الكتب ونسخها واستنساخها وجلبها من جميع الجهات.

كان المنصور الذهبي السعدي –مثلا- يأتي بالكتب من إصطنبول والقاهرة وشبه الجزيرة العربية وغيرها من البلدان، وكانت أكبر وأفخر هدية يتلقاها من سفرائه وأقربائه ووزرائه، تلكم التي تكون عبارة عن كتاب مخطوط أو كتاب نادر أو مصحف يحتفظ به في خزانته.

ومما يدل على اهتمام الملوك العلويين بهذا الجانب هو كون جلهم علماء شاركوا في البحث والتأليف والترجمة (4) وقد أسسوا الخزانات التي لعبت أكبر الأدوار في الحفاظ على هذا التراث ووضعوا على رأسها عالما أو قاضيا أو ربما وزيرا، كما صنع المولى إسماعيل حين عين على رأس خزانته الخاصة الوزير اليحمدي. هذا الاهتمام هو الذي جعل الخزانة المغربية في الوقت الحاضر من أهم خزانات العالم غنى بالمخطوطات وحفاظا على أصولها ونفائسها.

وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد الباحثون في مجال المخطوطات أن المغرب يحتفظ في بعض الخزانات العامة، وربما ضمن الأرصدة التي لم تفهرس بعد وكذلك في خزانات أخرى خاصة، كتب الإغريق واللاتين التي نقل بعضها إلى العربية والتي لا توجد في أي بلد عربي آخر. ومما يدل على هذا هو اهتمام الباحثين الأوروبيين بهذه الكتب وبحثهم عنها في بلاد المغرب. لقد أصبح المغرب في نهاية القرن التاسع عشر تقريبا البلد العربي الوحيد الذي لم تطأ أرضه بعد أقدام المستعمر، فاعتبارا لهذه الوضعية السياسية ونظرا لاهتمام المغاربة بالكتاب أصبح المغرب كعبة الباحثين الذين يسعون إلى الحصول على ما تعذر العثور عليه من مخطوطات عربية ومترجمة.

إن عددا من الوثائق التاريخية التي نشر بعضها هنرى دو كستري في كتابه: "المصادر الدفينة لتاريخ المغرب"، تؤكد ما ذكرناه سلفا، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الباحث الشرقي "باي العباسي" (5) قد قدم إلى المغرب وقضى وقتا طويلا في خزانة جامع القرويين يبحث عن عشريات تيتوس ليفوس ( Tite live) الذي يعتبر محفوظا في إحدى خزانات هذا البلد، وعلى الرغم من عدم العثور عليه في ذلك الوقت فإن المستشرق ليفي بروفنسال الفرنسي (6) الذي بحث بدوره عن عشريات المؤرخ اللاتيني أكد من جهته أن المؤرخ ابن خلدون قد قرأ هذا الكتاب في ترجمته الكلية أو الجزئية إلى العربية واستقى منه الأخبار المتعلقة بواقعة "كان" ( Cannes)، التي جرت سنة 216 قبل الميلاد وهزم خلالها القرطاجنيون بزعامة "هانيبال" عساكر الرومان برئاسة "فارون".

وإذا خلت اليوم المكتبات العمومية المغربية من هذه المخطوطات، فهذا لا يعنى أنها غير موجودة أو أنها فقدت إلى الأبد، بل إنه من شبه المؤكد أنها آلت إلى خزانة من خزاناتنا الخاصة العديدة التي لا تزال مجهولة (7) والتي تضم بلا شك في خباياها أرصدة هائلة من المخطوطات تكاد تفوق ما هو محفوظ ومفهرس ومتداول في مختلف الخزانات العامة.

إن هذا التراث الغزير الذي تجمع لدى المغاربة منذ العصور الإسلامية الأولى قد حفظته وصانته مكتبات مختلفة يمكن حصرها في أنواع ثلاثة: المكتبة الملكية، والمكتبات الخاصة، والمكتبات العامة. وقد لعبت كلها دورا بارزا في حفظ وتنظيم هذه الحصيلة الحضارية التي أفادت الباحثين مستشرقين وعربا في الوقوف على معالم الثقافة والحضارة العربية الإسلامية في المغرب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير