فمن جوز سجود الملائكة لغير آدم من البشر قياساً عليه، فقد نصب نفسه مشرعاً مع الله سبحانه، وهذا هو عين الشرك والكفر والضلال.
ويمكن على هذا القياس أن يقول قائل: أمر الله بالطواف بالبيت الحرام، والحج إليه، فيقاس عليه الأحجار والأشجار والقبور ونحوها مما يعظمه الناس، فيحج إليها ويطاف بها كذلك.
ويقال أيضاً: شرع الله النسك في الحج والأعياد والميلاد، فيقاس عليه النحر والعقر للمعظمين من الطواغيت.
ولو استطردنا في ذكر القياسات الفاسدة التي تتحصل من وراء ذلك القول الباطل لأفضى بنا إلى التطويل والإملال.
وحسبك أن تعلم أن هذا هو بعينه قياس المشركين الأولين، عباد يغوث ويعوق ونسر، وبمثله حرَّموا وأحلوا ما شاءوا بأهوائهم، إذ قالوا: ما ذبح الله وقتل خير مما ذبحتم وقتلتم، فأحلوا الميتة بهذا القياس الفاسد.
قال الله تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق، وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (الأنعام:121).
الوجه الثاني: أن هذا المخالف لم يقتصر في زعمه على السجود المجرد بل قرنه بالبكاء، وهو قرينة بينة على أن قصده بذلك ما هو أعلى من مجرد التشريف والتكريم أو التحية، وهو السجود الآخر الذي هو عبادة محضة ولا ينبغي إلا لله وحده.
وقد عصم الله عز وجل ملائكته الكرام من أن يشركوا به أحداً من خلقه بأي نوع من أنواع الشرك، بل هم معصومون من مطلق العصيان، فلا تجوز عليهم المحقَّرات فضلاً عن الموبقات، ولا يصدر عنهم حتى الصغائر فكيف بأكبر الكبائر؟
وكذا قول المخالف: إن من تحية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: "السلام عليك يا أول السلام عليك يا آخر السلام عليك يا باطن السلام عليك يا ظاهر"، هو كسابقه، في الإفك والافتراء على المكرمين من أهل السماء، وحاشا جبريل الأمين عليه السلام من اقتراف مثل هذا الكفر والإلحاد في الأسماء.
وهذه نصوص السنة بين أيدينا، ليس فيها نص واحد صحيح ولا ضعيف ولا حتى موضوع، يذكر خطاب جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا القول المختلق ولو مرة واحدة.
وأكثر خطابه له ومناداته إياه كان "يا محمد" وربما قال "يا رسول الله"، أما أن يقول له "يا أول .. يا آخر .. يا باطن .. يا ظاهر .. " فلا ولله، ما كفر جبريل ولكن الشياطين كفروا.
ولك أن تسأل، لم اختص جبريل عليه السلام من دون الملائكة بمثل هذا الظلم والعدوان؟ ألأنه ينزل بالعذاب، كما تعللت يهود في كفرها بالرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: لو كان الذي ينزل عليك غيره لآمنا بك، فأنزل الله تعالى: (قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدىً وبشرى للمؤمنين. من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) (البقرة:97 - 98).
وسواء كان ذلك السبب أم غيره، فقد تشابه الفريقان في خصومتهم وعداوتهم لجبريل عليه السلام، بل عداوة المخالف أشد وظلمه له أعظم لنسبته إياه إلى الإلحاد والشرك.
**
الباب الثالث
نقض أركان الإيمان
1 - الإيمان بالله.
2 - الإيمان بالملائكة.
3 - الإيمان بالكتاب.
4 - الإيمان بالرسول.
(كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله)
تقدم أن المخالف قد نقض أعظم أسس الإيمان وأول أركانه، وهو الإيمان بالله، إذ أشرك به سبحانه في إلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، فهل اكتفى بهدم ذلك الركن الأعظم؟
كلا، بل نقض غيره من أركان الإيمان، وهاك البيان:
1 - فالإيمان بالملائكة، يقتضي الإيمان بأنهم خلق لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأن لهم أعمالاً ووظائف كلفوا بها هم لها عاملون (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون).
فكفر المخالف بذلك وزعم أنهم عصاة ماردون، إذ أمروا بالسجود لآدم عليه السلام فسجدوا لمحمد صلى الله عليه وسلم، كلهم أجمعون.
وزعم أنهم عبدوا الرسول إذ كانوا يخرون له سجداً يبكون، وكانوا يذكرونه من دون الله في كل ساعة.
ثم زعم أن جبريل عليه السلام أشرك في بعض أسماء الله تعالى، إذ كان من تحيته للنبي صلى الله عليه وسلم: " السلام عليك يا أول السلام على يا آخر السلام عليك يا باطن السلام عليك يا ظاهر ".
¥