تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مفهوم الشكر عند ابن تيمية رحمه الله]

ـ[علي 56]ــــــــ[01 - 09 - 04, 07:25 م]ـ

[مفهوم الشكر عند ابن تيمية رحمه الله]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى الدين

أما بعد:

فهذا كتاب عن مفهوم الشكر وأبعاده عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله استخرجته من مجموع الفتاوى وهو متناثر في جميع أجزاء الكتاب فقمت بجمعها وضمها لبعضها البعض حتى نأخذ تصورا كاملا عن مفهوم الشكر عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد بينا من قبل مفهوم الصبر عنده في كتاب سابق نشر في ملتقى أهل الحديث

******************

وقد حث الله تعالى الشكر في كتابه الكريم قال تعالى:

(مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً) (النساء:147) (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان:12)

****************

وقال عن الابتلاء بالشكر:

(قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل:40) ****************

وقال عن زيادة النعم بالشكر: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (ابراهيم:7)

إن شكر النعمة دليل على استقامة المقاييس في النفس البشرية. فالخير يشكر لأن الشكر هو جزاؤه الطبيعي في الفطرة المستقيمة. .

هذه واحدة. . والأخرى أن النفس التي تشكر الله على نعمته , تراقبه في التصرف بهذه النعمة. بلا بطر , وبلا استعلاء على الخلق , وبلا استخدام للنعمة في الأذى والشر والدنس والفساد.

وهذه وتلك مما يزكي النفس , ويدفعها للعمل الصالح , وللتصرف الصالح في النعمة بما ينميها ويبارك فيها ; ويرضي الناس عنها وعن صاحبها , فيكونون له عونا ; ويصلح روابط المجتمع فتنمو فيه الثروات في أمان. إلى آخر الأسباب الطبيعية الظاهرة لنا في الحياة. وإن كان وعد الله بذاته يكفي لاطمئنان المؤمن , أدرك الأسباب أو لم يدركها , فهو حق واقع لأنه وعد الله.

والكفر بنعمة الله قد يكون بعدم شكرها. أو بإنكار أن الله واهبها , ونسبتها إلى العلم والخبرة والكد الشخصي والسعي! كأن هذه الطاقات ليست نعمة من نعم الله! وقد يكون بسوء استخدامها بالبطر والكبر على الناس واستغلالها للشهوات والفساد. . وكله كفر بنعمة الله. .

والعذاب الشديد قد يتضمن محق النعمة. عينا بذهابها. أو سحق آثارها في الشعور. فكم من نعمة تكون بذاتها نقمة يشقى بها صاحبها ويحسد الخالين! وقد يكون عذابا مؤجلا إلى أجله في الدنيا أو في الآخرة كما يشاء الله. ولكنه واقع لأن الكفر بنعمة الله لا يمضي بلا جزاء.

ذلك الشكر لا تعود على الله عائدته. وهذا الكفر لا يرجع على الله أثره. فالله غني بذاته محمود بذاته , لا بحمد الناس وشكرهم على عطاياه.

****************

وبين قلة الشاكرين بقوله تعالى: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ:13) وماذا يملك المخلوق الإنساني المحدود الطاقة من الشكر على آلاء الله وهي غير محدودة ?. . وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. . وهذه النعم تغمر الإنسان من فوقه ومن تحت قدميه , وعن أيمانه وعن شمائله , وتكمن فيه هو ذاته وتفيض منه. وهو ذاته إحدى هذه الآلاء الضخام!

كنا نجلس جماعة نتحدث وتتجاوب أفكارنا وتتجاذب , وتنطلق ألسنتنا بكل ما يخطر لنا على بال. ذلك حينما جاء قطنا الصغير "سوسو" يدور هنا وهناك من حولنا , يبحث عن شيء ; وكأنما يريد أن يطلب إلينا شيئاً , ولكنه لا يملك أن يقول ; ولا نملك نحن أن ندرك. حتى ألهمنا الله أنه يطلب الماء وكان هذا. وكان في شدة العطش. وهو لا يملك أن يقول ولا أن يشير. . وأدركنا في هذه اللحظة شيئاً من نعمة الله علينا بالنطق واللسان , والإدراك والتدبير. وفاضت نفوسنا بالشكر لحظة. . وأين الشكر من ذلك الفيض الجزيل.

وكنا فترة طويلة محرومين من رؤية الشمس. وكان شعاع منها لا يتجاوز حجمه حجم القرش ينفذ إلينا أحياناً. وإن أحدنا ليقف أمام هذا الشعاع يمرره على وجهه ويديه وصدره وظهره وبطنه وقدميه ما استطاع. ثم يخلي مكانه لأخيه ينال من هذه النعمة ما نال! ولست أنسى أول يوم بعد ذلك وجدنا فيه الشمس. لست أنسى الفرحة الغامرة والنشوة الظاهرة على وجه أحدنا , وفي جوارحه كلها , وهو يقول في نغمة عميقة مديدة. . الله! هذه هي الشمس. شمس ربنا وما تزال تطلع. . الحمد لله!

فكم نبعثر في كل يوم من هذه الأشعة المحيية , ونحن نستحم في الضوء والدفء. ونسبح ونغرق في نعمة الله ? وكم نشكر هذا الفيض الغامر المتاح المباح من غير ثمن ولا كد ولا معاناة ?!

***************

وأخيرا نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الشاكرين الذين قال فيهم:

(بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الزمر:66)

أبو حمزة الشامي

16 رجب 1425 هـ الموافق 1/ 9/2004 م

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير