تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31) إن حب الله ليس دعوى باللسان , ولا هياما بالوجدان , إلا أن يصاحبه الأتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم , والسير على هداه , وتحقيق منهجه في الحياة. . وإن الإيمان ليس كلمات تقال , ولا مشاعر تجيش , ولا شعائر تقام. ولكنه طاعة لله والرسول , وعمل بمنهج الله الذي يحمله الرسول. .

يقول الإمام ابن كثير في التفسير عن الآية الأولى:" هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية. فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأعماله , كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ". .

ويقول عن الآية الثانية: (قل أطيعوا الله والرسول. فإن تولوا). . أي تخالفوا عن أمره - (فإن الله لا يحب الكافرين). . فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر , والله لا يحب من اتصف بذلك , وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله. .

ويقول الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية في كتابه:"زاد المعاد في هدى خير العباد":

"ومن تأمل في السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرسالة وأنه صادق , فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام. .

علم أن الإسلام أمر وراء ذلك , وأنه ليس مجرد المعرفة فقط. ولا المعرفة والإقرار فقط. بل المعرفة والإقرار والانقياد والتزام طاعته ودينه ظاهرا وباطنا. . "

إن هذا الدين له حقيقة مميزة لا يوجد إلا بوجودها. . حقيقة الطاعة لشريعة الله , والاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم , والتحاكم إلى كتاب الله. .

وهي الحقيقة المنبثقة من عقيدة التوحيد كما جاء بها الإسلام. توحيد الألوهية التي لها وحدها الحق في أن تعبد الناس لها , وتطوعهم لأمرها , وتنفذ فيهم شرعها , وتضع لهم القيم والموازين التي يتحاكمون إليها ويرتضون حكمها. ومن ثم توحيد القوامة التي تجعل الحاكمية لله وحده في حياة البشر وارتباطاتها جميعا , كما أن الحاكمية لله وحده في تدبير أمر الكون كله. وما الإنسان إلا قطاع من هذا الكون الكبير.

*************

وقال تعالى:

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب:36) فهذا المقوم من مقومات العقيدة هو الذي استقر في قلوب تلك الجماعة الأولى من المسلمين استقرارا حقيقيا ; واستيقنته أنفسهم , وتكيفت به مشاعرهم. . هذا المقوم يتلخص في أنه ليس لهم في أنفسهم شيء ; وليس لهم من أمرهم شيء. إنما هم وما ملكت أيديهم لله. يصرفهم كيف يشاء , ويختار لهم ما يريد. وإن هم إلا بعض هذا الوجود الذي يسير وفق الناموس العام. وخالق هذا الوجود ومدبره يحركهم مع حركة الوجود العام ; ويقسم لهم دورهم في رواية الوجود الكبيرة ; ويقرر حركاتهم على مسرح الوجود العظيم. وليس لهم أن يختاروا الدور الذي يقومون به , لأنهم لا يعرفون الرواية كاملة ; وليس لهم أن يختاروا الحركة التي يحبونها لأن ما يحبونه قد لا يستقيم مع الدور الذي خصص لهم! وهم ليسوا أصحاب الرواية ولا المسرح ; وإن هم إلا أجراء ,لهم أجرهم على العمل , وليس لهم ولا عليهم في النتيجة!

عندئذ أسلموا أنفسهم حقيقة لله. أسلموها بكل ما فيها ; فلم يعد لهم منها شيء. وعندئذ استقامت نفوسهم مع فطرة الكون كله ; واستقامت حركاتهم مع دورته العامة ; وساروا في فلكهم كما تسير تلك الكواكب والنجوم في أفلاكها , لا تحاول أن تخرج عنها , ولا أن تسرع أو تبطئ في دورتها المتناسقة مع حركة الوجود كله.

وعندئذ رضيت نفوسهم بكل ما يأتي به قدر الله , لشعورهم الباطن الواصل بأن قدر الله هوالذي يصرف كل شيء , وكل أحد , وكل حادث , وكل حالة. واستقبلوا قدر الله فيهم بالمعرفة المدركة المريحة الواثقة المطمئنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير