تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الدواوين، فقلما نجد الشاعر نفسه يدون ديوانه بخط يده. وإذا حصل مثل هذا فإن النسخة –إن عثرنا عليها- ستكون أماً، وتعد من روائع المخطوطات. وقد ينسخ الديوان عن الشاعر نفسه، أو يُقرأ عليه بعد نسخه. وكثيراً ما نقع على أكثر من نسخة للديوان الواحد؛ بعضها لرواته ومحبيه، وبعضها لحساده ومبغضيه.

وعلى المحقق أن يرجع إليها إن أمكن، وعليه أن يأخذ بالحسبان: الراوية إذا كان شاعراً، فقد يضيف من عنده بيتاً، أو يغير كلمات. ويقوم جميع البشر عادة محباً أو معادياً. والمتنبي من أكثر الشعراء الذين جمع شعرهم من محبين ومبغضين ومعتدلين. وأفضل الدواوين ما كان مجازاً بخط الشاعر.

نقص النسخ:

كثيراً ما تصاب الكتابة بتحريفات، كسقوط نقاط أو إضافة غيرها، والتصاق نقاط بعضها ببعض، والتشابه بين الفاء والغين، وبين الدال واللام، وبين الراء والنون. كما قد تزاد أسنان في الكلمة، ويسقط بعضها. وقد يقفز الناسخ سطراً أو مقطعاً سهواً أو عمداً، فيتلافاها المحقق من نسخة أخرى، أو من كتب مطبوعة، شريطة أن يذكر ذلك في الحاشية.

وقد يصيب التآكل بعض الورق، وأذكر أنني زرت مكتبة جامعة "أوكلا" بالهند، فهالني إن وجدت الأرضة لم تترك سطراً إلاّ أعملت فيها خراطيمها.

وكأنها كانت تتعمد قضم السواد من السطور. وكم آلمني هذا المنظر عندما وجدت من بينها مجموعة نادرة من الكتب العربية والفارسية التي لم ترَ النور، ولن تراه. والجهل برعاية المخطوطات هو الذي يصل بالنسخ إلى مثل هذه المرحلة المتردية.

*تحقيق المتن:

بعد مراعاة كل ما سبق، بإمكان المحقق أن يضع المتن بين يديه ويشرع في تحقيقه. وأهم ما يقوم به:

1 - الاعتماد على أقدم النسخ أو على أفضلها خطاً وكمالاً. ثم يقارنها بباقي النسخ التي حصل عليها.

2 - الاختصار ما أمكن، سواء أكان ذلك في المقابلات أم في الشروح، كيلا تتضخم الصفحات كما يفعل بعضهم.

3 - وضع رموز معينة لكل نسخة أو لكل اصطلاح، كما ترى في الأشكال والرواسم.

4 - ضبط الأعلام وأسماء الأماكن.

5 - نقل المشكول من المؤلف نفسه بعد التأكد من صحته، أو شكل الصعب من الكلام بالاعتماد على أفضل المعاجم القديمة، مع الإشارة إليها.

6 - الأمانة التامة في النقل، بما في ذلك الهوامش والتعليقات، ولا يسمح للمحقق بأن يغير شيئاً. وعليه التعليق في الحاشية كما يشتهي. أذكر هذا لأن أحد المحققين في دمشق، أذهلني عندما أعلمني أنه غيّر مجموعة من ألفاظ ديوان شاعر لأنه لم ينسجم معها!!

7 - عدم الاعتماد على نسخة واحدة إذا كان في المكتبات أكثر من نسخة، وإن كانت واضحة. فالمقارنة بين النسخ تكشف ما لم يكن متوقعاً.

8 - القراءة الكاملة للنسخة، لمعرفة الموضوع والفصول والأبواب، وخصائص الناسخ في الكتابة.

9 - عنونة الأبواب والفصول بحسب الأصول المتبعة اليوم في التأليف، مع ضرورة الإشارة إلى ذلك.

10 - الاعتماد على المراجع المناسبة للموضوع. فالنسخة الأدبية يلزمها كتب أدب، واللغوية تحتاج إلى مصادر لغوية… بالإضافة إلى كتب المؤلف نفسه، والكتب التي عالجت مثل هذا الموضوع.

11 - مراجعة معاجم الألفاظ، ومعاجم المعاني، ثم المعاجم الفارسية، والمعربات.

12 - مراعاة التصحيف، والتحريف، والمؤتلف، والمختلف.

13 - مراعاة الزيادة من نسخة إلى أخرى، ومراعاة زيادة النساخ أو إنقاصهم.

14 - وضع علامات الترقيم المناسبة، وإن لم يستعملها المؤلف.

15 - الإشراف الكامل على الكتاب في أثناء طباعته، شريطة أن يقرأ ندٌّ للمحقق القراءة الأخيرة قبل الطبع، فقد يصل المحقق إلى مرحلة من حفظ التعابير والتراكيب يقرؤها من ذاكرته، فلا يرى الخطأ المطبعي، فيؤذي طلبة العلم، ويتأذى من الساخطين. وهذا ما تجري عليه الجامعة العثمانية من حيدر آباد، إذ لا يصحح المحقق تجارب كتابه، بل يصحح تجارب كتاب آخر.

...

الحواشي والتعليقات:

ذكرت في مطلع بحثي أن على المحقق تسجيل اختلافات النسخ، مع رموز الإضافات والنسخ في الحواشي. ولكنني لم أذكر الجهد الكبير الذي يعانيه المحقق حتى يفهم النص. ومن المفيد جداً أن يسجل المحقق ما يراه مناسباً لتوضيح الغامض، أو التعريف بعلم اعترضه، أو مكان ذكره المؤلف، أو الإشارة إلى صاحب بيت أو قول أغفل عنه المؤلف، أو إلى موضع آية كريمة، أو حديث شريف.

ويستحسن أن يقسم المحقق –عندئذ- حواشيه إلى طبقتين؛ يضع أرقام الطبقة الأولى بالأرقام الأجنبية (اصطلاحاً)، ويخصصها لاختلاف النسخ.

ويخص الطبقة الثانية بالأرقام العربية، ويسجل فيها شروحه المناسبة والتعليقات الموضحة. وسبب هذا الفصل أن الباحث عند اختلافات النسخ غالباً ما يكون من الأدباء أو الضليعين. ولا يشترط ذلك في الباحث عن المعاني والتعليقات.

المراجع الرئيسة:

مما لا شك فيه أن هناك مراجع لا يمكن الاستغناء عنها في أي تحقيق لمتن مهما كان نوعه. ومن هذه المراجع: المصحف المفهرس- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث –كشف الظنون- إيضاح المكنون- أسماء الكتب- هدية العارفين- معجم سركيس- معجم المؤلفين- الأعلام- وفيات الأعيان وملحقاته- كتب الطبقات والسيرة- كتب التراجم- معجم القبائل- مجمع الرجال- بروكلمان- سيزكين- دوائر المعارف- الموسوعات.

الفهارس:

وفي ختام عمل المحقق العلمي يشترط به أن ينهي مخطوطته بفهارس علمية مفصلة. والفهارس أكبر عمل يقوم به المحقق أو تلميذه بعد تحقيق المتن وطبعه.

ولا يجوز إنجاز الفهارس قبل الانتهاء من طباعة الكتاب. ووجود الفهارس المفصلة يساعد طلبة العلم في بحوثهم كثيراً. ومع أن لكل كتاب فهارس خاصة، فهناك الفهارس العامة التي لا يمكن إغفالها. من ذلك:

فهارس للأعلام- فهارس للأماكن- فهارس للقبائل- فهارس للآيات- فهارس للأحاديث- فهارس للأمثال- فهارس للأشعار بحسب القوافي أو بحسب الأبحر- فهارس للألفاظ المعربة- فهارس للموضوعات.

د. محمد ألتونجي

منقول

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير