(فرالوفا) تعتبر شاهدًا حيًّا على كيفية وصول المخطوطات العربية إلى (بطرسبرغ)، وفي ذاكرتها نسيج دافئ وصورة خلابة لتراث عظيم انتشر في كافة أنحاء العالم وفي الاتحاد السوفييتي السابق بشكل خاص، إذ يشغل من حيث عدد المخطوطات العربية المتوفرة فيه، المرتبة الرابعة في العالم بعد تركيا ومصر وإيران، ويستدل من آخر المعطيات أن الاتحاد السوفييتي السابق يحوز ما يربو على أربعة وأربعين ألف مجلدًا، عدا عن بضع عشرات الألوف من المحاضر والوثائق المدونة باللغة العربية.
والمراكز الرئيسية التي يضم كل منها بضعة آلاف من النسخ هي مؤسسات الاستشراق، ودور المخطوطات في (بطرسبرغ) وطشقند وباكو، وثمة مجموعة غنية من المخطوطات العربية كذلك في (قازان) و (دوشنبيه) و (وتبليسي) و (ويريفان) و (موسكو) وطائفة من المدن الأخرى.
الأهم في ذكريات (فرالوفا) عشقها لمعلم المعلمين -كما وصفته- وتقصد بذلك الشيخ محمد عياد الطنطاوي أحد شيوخ الأزهر الذي وصل إلى (بطرسبرغ) عام 1840 وفي جعبته العشرات من المخطوطات العربية القيمة. وتشير (فرالوفا) إلى أن الطنطاوي أسهم إسهاما كبيرا في تدريس اللغة العربية لجيل من المثقفين الروس أغنوا البحث فيما بعد بقصة المخطوطات العربية وقيمتها وأثرها على الروس من حيث الفائدة وغنى المعرفة.
التقدير والأمانة لدور معلم المعلمين دفعا (فرالوفا) إلى البحث عن قبره في أحد مقابر (بطرسبرغ)، وقد حدثتنا أنه توفي عام 1861، وبسبب عدم توفر السهولة والسرعة في نقل جثمانه إلى مصر في تلك الفترة تم دفنه في المدينة التي عمل فيها احدى وعشرين سنة.
ميخائيل بيانزوفسكي:
د. ميخائيل بياتروفسكي
أولا: أعتقد أنه في القرن التاسع عشر إرسال جثة إلى مصر كان شيء صعب جدًا، لا يمكن يكون مستحيل، مل شيء، كان لا يوجد شيء مستحيل لروسيا في القرن التاسع عشر، بس كان صعب جدًا، الشيء الثاني: أن المقابر الإسلامية مقبرة المسلمين موجودة في (بطرسبرغ) لأنه كان هنا دفنوا ... [كلام غير مفهوم] ممكنا، والشيء الآخر لازم دفن الإنسان خلال يوم واحد، وهذه هي العادة الإسلامية أيضًا يمكن كانت لعبت دورها في هذا، ولكن أهم شيء أن هناك في ما كان يعيش في بلد غريب إطلاقًا.
(سان بطرسبرغ) هو مدينة مسيحية والإسلامية، مِنْ أول الناس قاموا ببناء (سان بطرسبرغ) كانوا الجاليات والعائلات الإسلامية من الأولغا ومن دول أخرى، فالإسلام موجود هنا وعندنا -طبعًا هذا بعد الشيخ الطنطاوي- أجمل جامع المسجد في أوروبا موجود هنا وبجنب الكنيسة الرئيسية يعني، لا يمكن أن يكون في أي مكان آخر في أوروبا، وباعتقد أن أهم شيء عندنا أنه فيه مقابر موجودة مقبرة موجودة في (سان بطرسبرغ).
أكرم خزام:
الناس في هذه المقبرة لا يصدقون إمكانية وجود جثمان في هذا المكان دفن في تلك الفترة الغابرة، لكن العارفين ومنهم (فرالوفا) يصرون على وجوده.
تتمازج الفرحة بالعثور على الرمز الذي يطلق عليه لقب (معلم المعلمين) من جهة، وبالتعريف بقيمة غنية أدت قسطها في الحياة دون أن ترحل عنها بدون أثر يذكر من جهة ثانية.
د. ميخائيل بياتروفسكي:
أعتقد أنه الشيخ الطنطاوي موجود هنا في الراحة، وبالنسبة لنا هذا مهم جدًا، لأن هذا الإنسان العالم هو رمز من رموز هذا التقارب الثقافي بين الحضارة الروسية والحضارة العربية، موجود مدفون عندنا في مدينة (سان بطرسبرغ) هذا الرمز الذي واحد من رموز هذه المدينة التي هي مدينة التعاون بين مختلف القوميات والحضارات والأمم، هذه المدينة هي مدينة للروس، ومدينة للفينز، ومدينة للألمان، ومدينة للمسلمين والتتر، وإلى آخره نحن، مدينة لجميع الحضارات، ووجود الشيخ الطنطاوي وجثته معنا مدفون في (سان بطرسبرغ) هذا شيء قريب جدًا لقلوبنا هذا جيد و .. رمز بل أكثر من رمز لأنه -كما قلت- إن الطاقة الداخلية موجودة، نحن نحس بوجوده.
أكرم خزام:
تتفتح ذاكرة (فرالوفا) لتلقي الضوء على مؤلَّف للطنطاوي يتمتع بأهمية استثنائية -حسب رأيها- يسمى معجم اللهجة المصرية الذي يحتوي على قصص شعبية، وطرائف، ونصوص أغاني، وأمثال شعبية تعكس أجواء الحياة وغناها في مصر، وتشير فرالوفا إلى المخطوطات التي جلبها معه الطنطاوي من مصر، والخاصة بالفيلسوف ابن عربي ناهيك بمؤلفات عديدة عن الصوفية.
¥