ب – ومن مقتضيات الإيمان بالرسول الشهادة له بالرسالة والرضا به عبداً لله ورسولاً والإيمان بصفاته التي وصف بها في الوحي دون إفراط فيه إلى حد الغلو كما صنعت النصارى مع المسيح، ولا تفريط في حقه إلى حد التنقيص من قدره أو إيذائه كما فعلت بنو إسرائيل مع أنبيائهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون.
وقد لخص أهل العلم معنى شهادة أن محمداً رسول الله في ثلاث كلمات: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيا أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
فما حظ المخالف من هذا الإيمان ومن هذه الشهادة؟!
أما أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قابلها بالتكذيب والتحريف واللَّي والإعراض.
*قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله"، وقال لجبريل عليه السلام لما سأله عن الساعة: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل" متفق عليه "اللؤلؤ والمرجان" (1/ 2).
فكذب المخالف قوله وزعم أنه صلى الله عليه وسلم يعلم مفاتح الغيب الخمس ومنها علم الساعة.
*وقال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس" رواه البخاري (8/ 67) ومسلم (1064).
وقال أيضاً: "إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له" متفق عليه "جامع الأصول" (10/ 180).
وزعم المخالف أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم عزائم القلوب وخطراتها ونياتها.
*وقال صلى الله عليه وسلم مخاطباً حبة قلبه وفلذة كبده فاطمة رضي الله عنها: "سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً " متفق عليه "اللؤلؤ والمرجان" (1/ 52).
وقال: "والله إني لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " رواه البخاري (1/ 114).
فكذب المخالف قوله وزعم أن بيد النبي صلى الله عليه وسلم مقاليد الأمور، فله أن يُقْطِعَ أرض الجنة لمن شاء وأن يرحم ويغفر ويتوب على من شاء، وأن يشفع لمن شاء، وزعم أنه صلى الله عليه وسلم دعا الله أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار فأعطي ذلك ("الذخائر" (ص216))، وكذا أصهاره "الذخائر" (ص224).
وغلا أكثر فزعم أن أهل البيت لا يجوز عليهم الخطأ أصلاً، موافقة لغلاة الشيعة في اعتقادهم العصمة لأهل البيت "شفاء الفؤاد" ص219).
*وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حال أبويه عبدالله وآمنة، فقال: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي " "صحيح مسلم بشرح النووي" (7/ 45).
قال الإمام النووي – رحمه الله - "صحيح مسلم بشرح النووي" (7/ 45): "فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة وفيه النهي عن الاستغفار للكفار " انتهى ملخصاً.
وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال في النار. فلما قفَّى دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار" "صحيح مسلم بشرح النووي" (3/ 79).
قال الإمام النووي – رحمه الله - "صحيح مسلم بشرح النووي" (3/ 79): "فيه أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين. وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم " اهـ.
فضاق صدر المخالف بهذين الخبرين الصادقين عن المعصوم، وسلط عليهما سهام التكذيب والتبديل للطعن في دلالتهما على المطلوب.
أما التكذيب فقوله "الذخائر" (ص37): "إن تلك الأحاديث – يعني هذين الخبرين – لم ترتفع عن درجة الآحاد".
قلت: فهذا هو التكذيب بعينه وإن سمي بغير اسمه، أو لبس بلباس من غير جنسه، وهو مسلك ممقوت دأب عليه المخالفون في الكتاب المختلفون في الكتاب، حيث يحكمون أهواءهم وعقولهم القاصرة في نصوص السنة والكتاب فما وافقها قبلوه وجعلوه حجة قطعية، وما خالفها ردوه وجعلوه دلالة ظنية، وبذلك المسلك الفج طعنوا في نصوص كثيرة محكمة بحجة أنها أخبار آحاد، لا تفيد – بزعمهم – إلا الظن.
وأما التبديل فبدعوى النسخ، حيث زعم أن الله أحيا له أبويه فآمنا به "الذخائر" (ص37).
وهذا الزعم مع كونه لا دليل عليه، فإن فيه عدة محاذير:
¥