منها: أنه يقتضي أن الله تعالى حفظ لهذه الأمة الدليل المنسوخ الذي يلزمهم أن يكفروا به ويطرحوه، وأنساهم الدليل الناسخ الذي يجب عليهم أن يؤمنوا به ويعتقدوه. وفيه ما فيه من إساءة الظن بالمولى عز وجل، ووصفه بما لا يليق أن يوصف به. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ومنها: الطعن في حملة العلم من هذه الأمة الخيرة بدءاً بالصحابة رضوان الله عليهم وانتهاء بالأئمة المصنفين إذ حفظوا لنا المنسوخ وبلغوه، وضيعوا الناسخ وكتموه.
ثم هو مناقض لمذهبه الأول، إذ قرر هناك أنهما من أهل الفترة وماتا على الفطرة "الذخائر" (ص35)، ويقول هنا إنهما ماتا على الإيمان بعد أن أحياهما الله له، فتناقضا وتساقطا.
وبسط هذه المسألة له موضع آخر، والمقصود بيان تكذيب المخالف لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم.
*ومن أمثلة اعتراضه على حكم النبي صلى الله عليه وسلم ومعارضته في أمره ونهيه ما يأتي:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد " (رواه أحمد (5/ 393) وغيره، وأشار الحافظ في "الفتح" (11/ 540) إلى الاختلاف في إسناده).
وقال المخالف "شفاء الفؤاد" (ص219) "فعليك الصلاة تبقى من الله كما شاء وتشاء".
*وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله ".
وقال المخالف: "يا من يجود على الوجود بأنعم خضر" "يا من نناديه فيسمعنا على بعد المسافة سمع أقرب أقرب" "بنور رسول الله أشرقت الدنا ففي نوره كل يجيء ويذهب" "رب الجمال، رب الحور، باب الله، غياث الخلق، غوث من في الخافقين ".
وقال فيه أيضاً: إنه أوتي علم الخمس والروح، وأنه يعلم الخطرات والنيات، وأنه سمي بأسماء الله الحسنى كلها ومنها الأول والآخر والباطن والظاهر، وأن قبره أفضل من السموات السبع والعرش وجنة عدن، وأن له أن يقطع أرض الجنة لمن شاء، وأن الله خلق الخلق لأجله، وأن ليلة مولده أفضل من ليلة القدر ("الذخائر" (ص25).قال: "ليلة مولده أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة .. ")، وأن سمعه يصل إلى سدرة المنتهى.
...
الخاتمة
وبعد، فها أنت أخي الكريم قد وقفت على بعض أقوال المخالف في كتابين فقط من كتبه، واطلعت على ما فيهما من كفر صريح وشرك واضح ومناقضة لأصول الإيمان وأركان الإسلام.
وأحسب أن الدهشة قد علت محياك وعقدت لسانك من تلك الجرأة العجيبة على الله وملائكته وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولعلك تساءلت في نفسك بعد إمعان النظر في ذلك الكم الهائل من المخالفات الشرعية الواضحة وضوح الشمس، وقلت: كيف خفي على الدكتور مثل هذه الأمور فوقع فيما لا ينبغي لأحد أن يقع فيه؟
وحق لك أن تندهش وتعجب، فالذي قاله وقرره ونقله وأقره ليس بالهين بل هو عند الله عز وجل وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وعند المؤمنين عظيم.
لكنك – أخي الفاضل – لو اطلعت على مذهب القوم ومشربهم، وتتبعت أحوالهم وسيرهم عبر القرون الغابرة، لزال عنك كثير مما نزل بك من الدهشة والعجب.
إذ سوف ترى أن ما كتبه هذا الدكتور المبتدع مما نقلته لك، ليس إلا نقطة من بحر متلاطم الموج، مما قاله أسلافه من غلاة المبتدعة وسطروه من أمثال الحلاج وابن الفارض وابن عربي المكي والعفيف التلمساني وأضرابهم من غلاة الصوفية الباطنية الذين صرحوا بما لا يخطر على قلب مسلم، مما تقشعر له الجلود من ساقط القول وفاحش الكلم.
ومن عجائب ما وقفت عليه من حالهم، أن الولاية عندهم، وهي المقام الأسمى الذي يفوق عندهم مقام النبوة، لا يصل إليها أحدهم إلا إذا تمادى في الكفر وصرح به في الملأ حتى يحكم عليه طائفة من الأولياء بالزندقة والكفر.
قال الجنيد، ويسمونه سيد الطائفة ("المناظر الإلهية"لعبدالكريم الجيلي (ص44)): "لا يكون الصديق صديقاً حتى يشهد له في حقه سبعون صديقاً أنه زنديق" اهـ.
ولعلك وقفت الآن على سر المسألة، فالرجل يسعى حثيثاً إلى بلوغ ذلك المقام ووصول تلك المنزلة من الولاية والمعرفة عن طريق الكفر والزندقة، ويحلم باليوم الذي يقال له فيه: العارف بالله، القطب، الغوث .. ونحوها من الألقاب العلية عندهم، أما لفظ: الشيخ، السيد، الإمام، فلم تعد وافية بالمقام.
¥