تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مخطوطات تومبوكتو: ميراث لا يقدّر بثمن مهدد بالخطر

ـ[محب المخطوطات]ــــــــ[23 - 12 - 04, 01:40 ص]ـ

ميراث لا يقدّر بثمن مهدد بالخطر

مخطوطات تومبوكتو

تومبوكتو، في مالي، الواقفة وحيدة على حدود الصحراء وعلى مقربة من نهر النيجر كانت لزمن طويل مدينة مغلقة في وجه الأوروبيين. وكانت نقطة التقاطع التجارية هذه في زمن القوافل مركزا لنشاط فكري كبير. وقد حررت خلال ذاك العصر الذهبي آلاف الكتب التي تركت في ما بعد في مهب رياح الصحراء. بدأ إخراجها اليوم فبرز من ليل النسيان تاريخ إفريقي مثير كان مجهولاً حتى اليوم.

في تومبوكتو بدأ الاكتشاف التدريجي للمخطوطات القديمة التي يرجع تاريخ بعضها إلى القرن الثالث عشر، يتحول إلى تحدّ تاريخي أمام إفريقيا. فقد تم نبش وتصنيف أكثر من 15 ألف وثيقة بإشراف الاونيسكو في حين لا يزال 8 آلاف غيرها نائما في خزائن أو مخابئ هذه المدينة الأسطورية [1]. إن هذه الكتابات الثمينة التي صنعت مجد وادي نهر النيجر بين القرن الثالث عشر والقرن التاسع عشر [2] مهددة بالتلف والسرقة على أيدي المهربين. ويلاحظ أن مؤلفات نادرة جداً مكتوبة بالعربية وأحياناً بالفلانية على يد علماء من مملكة مالي القديمة [3]، تمر عبر سويسرا حيث يصار إلى تمويهها ثم عرضها على جامعي التحف النادرة الذين يتسابقون عليها. لا يخفي السيد علي ولد سيدي قلقه وهو رئيس البعثة الثقافية في تومبوكتو: "يجب التعرف على الوثائق التي يملكها الأهالي ومن ثم حفظها وترميمها وإلا فان ذاكرة تومبوكتو المكتوبة سوف تلغى. وهي ذاكرة لا أحد يدرك أهميتها".

تومبوكتو، المدينة "المقدسة"، "السرية"، "العصيّة" التي بهرت المكتشفين من الاسكتلندي مونغو بارك إلى الفرنسي رينه كاييه والألماني هنريخ بارت، هي مدينة عجيبة من الرمل إلى شمال شرق دولة مالي الحالية وعلى التخوم الجنوبية للصحراء الشاسعة متراجعة عن الضفة اليسرى لنهر النيجر. أسسها الطوارق في القرن الحادي عشر لتفرض نفسها ابتداء من القرن الرابع عشر كمركز تجاري رئيسي بين السودان القديم [4] والمغرب تمر عبرها أملاح تاوديني وذهب مناجم بوري وعبيد غانا. يتجاور فيها التجار العرب والفرس مع الرحالة [5] والفلاسفة المسلمون الساعون لدعوة السكان المحليين إلى دين الله. إنها الحقبة التي كانت تنقسم فيها إفريقيا الساحلية بين الإمبراطوريات المعتنقة الإسلام (مثل شونغاي التي حكمت مالي في أواخر الرابع عشر) وغيرها ممن مانعوا في الدخول إلى دعوة محمد مثل موسيس (بوركينا فاسو الراهنة). هكذا ارتبط انتشار المخطوطات بتقدم الأسلمة.

تحولت مدن المنطقة الثلاث الكبرى أي تومبوكتو وجاو ودجنة إلى مراكز لغليان ثقافي إسلامي ـ سوداني لا تزال ذكراه حية. ففي القرن الخامس عشر كان عدد سكان تومبوكتو 100 ألف بينما تراجع اليوم إلى 30 ألفاً وكان منهم 25 ألفاً من الطلاب الذين يرتادون جامعة سانكوره التي تحولت إلى مسجد. وكان الطلاب يخطون محاضرات العلماء المسلمين على قشور الشجر وعظام أكتاف الجمال وجلود الخروف أو على ورق مستورد من الشرق ومن ثم من ايطاليا. هكذا تكوّن على مر القرون مخزون ثمين فلسفي وقانوني وديني.

إضافة إلى ذلك تحتوي حواشي هذه المخطوطات البدوية معرفة تعليمية يمتزج فيها دون ترتيب مسار الكواكب بأوزان الآلات الموسيقية وأسعار الحرائر بثمن جوز الكولا. أما القوافل المتنقلة بين اغاديز في النيجر وتيشيت في موريتانيا مروراً بسوكوتو في شمال نيجيريا فكانت تحمل العديد من المعلومات الخاصة بالتجار المستنيرين. فطوال ما يقارب الثلاثة قرون أثرت المعرفة التجارة والعكس بالعكس وذلك على ظهور الجمال، بين ألواح الملح وأكياس التبغ.

إن هذه الهبة العلمية غير المسبوقة تدفع إلى إعادة النظر في أسطورة الثقافة الشفهية الإفريقية التي يروّج لها مثقفون من أمثال حامادو هامباته با [6]. لكن أي قيمة علمية لوثائق تحولت قيماً للمضاربة أكثر منها أدوات لفهم الماضي؟ كيف السيطرة على هذا الركام من المعلومات المكتوبة المهددة بالزوال بفعل الزمن؟ أسئلة تواكب أبحاث الجامعيين الاميركيين [7] أو المؤرخين المحليين [8].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير