تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم تقتصر المخطوطات الدينية على المصاحف وحدها بل شملت كتب الحديث والسيرة والفقه، وغيرها، إلا أن مخطوطات المصاحف تظل أكثر تلك المخطوطات روعة وجمالاً.

التذهيب والتصوير. من الأساليب الفنية التي ارتبطت بفنون الكتاب، وازدهرت في أقطار العالم الإسلامي، فن تزيين المخطوطات بتذهيب بعض صفحاتها أو بتذهيبها كلها. والمعروف أن الخطاط كان يتم كتابة المخطوط تاركًا فيه الفراغ الذي يُطلب منه في بعض الصفحات لترسم فيه الأشكال النباتية والهندسية المذهبة، أو تنقش فيه صور ذات صلة معينة بالمخطوط، وقد لا يكون لبعضها أيّ صلة قريبة، فيكون الغرض من رسمها تجميل المخطوط فحسب. ويكثر في مثل هذه الأحوال أن تكون الصورة منقولة عن مخطوط آخر. وكان تذهيب المخطوطات يمر بعدة مراحل، أولها يسند إلى فنان اختصاصي في رسم الهوامش وتزيينها بالزخارف، ثم ينتقل المخطوط إلى فنان آخر يقوم بتذهيب هوامشه وصفحاته الأولى، وكذلك صفحاته الأخيرة، وبداية فصوله وعناوينه. وكانت الرسوم النباتية والهندسية المذهّبة في المخطوطات تصل إلى أبعد حدود الإتقان، ولاسيما في القرنين التاسع والعاشر الهجريين، الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين حين بلغت الغاية في الاتزان والدقة وتوافق الألوان. أعظم المخطوطات القديمة شأنًا من الناحية الفنية هي مخطوطات المصاحف التي كانت تذهّب وتزيّن بأدقّ الرسوم وأبدعها، وكان تعظيم القرآن الكريم يدفع كثيرًا من الفنانين إلى العناية بتذهيب المصاحف. وأقبل بعض الأمراء والعلماء وكبار رجال الدين والأدب على تعلم فن التذهيب وكانت لمساعدتهم المادية والمعنوية للمذهبين أكبر الأثر في إخراج أعظم مخطوطات المصاحف.

ومنذ القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي زادت العناية بتزيين صفحات بعض المخطوطات فلم يعد التذهيب وقفًا على السرلوح أي الصفحات الأولى من المخطوط، أو على النجوم الزخرفية التي كانوا يسمون الواحدة منها شمسة، أو على الجامات (المناطق والبحور) التي كان يكتب فيها اسم صاحب المخطوط وتاريخ الفراغ منه، بل أصبح لزخرفة الهوامش وتذهيبها شأن كبير، فأقبل الفنانون على تغطية هوامش المخطوطات بالرسوم النباتية والهندسية أو بالرسوم الحيوانية والبشرية، إذا كانت المخطوطات علمية. وقد ذاع هذا الضرب من زخرفة المخطوطات في العصر الصفوي في إيران، كما حققت الهند الإسلامية قسطًا وافرًا من النجاح في زخرفة المخطوطات منذ أن قامت بها فنون الكتاب في عصر الأباطرة المغول على يد أساتذة من الإيرانيين. وكانت الرسوم المذهبة في المخطوطات المبكرة بسيطة، وكانت قد قامت على أساس من الزخارف الساسانية والبيزنطية والقبطية، وعلى ما عرفه المسلمون في كتب النصارى من أتباع الكنيسة الشرقية. وكان كل هذا واضحًا في اختيار الألوان، وفي الرسوم الهندسية والنباتية، ولكنها تطورت في سبيل الإتقان، وغلبت عليها رسوم النجوم المسدسة أو المثمنة ورسوم الفروع النباتية المتصلة ورسوم المراوح النخيلية. وأبدع المذهبون في أسلوب جديد ازدهر منذ عصر السلاجقة، وقوامه أن تحاط سطور الكتابة بخطوط دقيقة. وتشهد بعض المخطوطات الثمينة المحفوظة في المتحف القبطي بمصر، وفي بعض المجموعات الفنية الأخرى، بأن تزيين المخطوطات بالرسوم الجميلة وتذهيبها لم يكن وقفًا على المصاحف والكتب ذات الصفة الإسلامية فقط، بل إن مخطوطات الإنجيل والتوراة والكتب الدينية النصرانية واليهودية كانت تكتب بأنواع جميلة من الخط العربي وتذهب صفحاتها وتزيّن بالرسوم الهندسية والنباتية ذات الطابع العربي.

من نوادر المخطوطات الدينية. من بين أندر مخطوطات المصاحف في العالم صفحة رائعة من مخطوط قرآني متميّز كتب على الرّقّ الأزرق النفيس النّادر بالخط الكوفي المذهب فأصبح آية من آيات الفن الإسلامي الرفيع، ويعتقد أنها كتبت بمدينة القيروان بأمر من الخليفة العباسي المأمون، ولكنها لم ترسل إلى بغداد وحُبست في مدينة القيروان. وهناك صفحة نادرة أخرى من مخطوط قرآني كتب على الرق بالخط الكوفي المغربي المجوَّد وأدخلت عليها النقاط الحمراء لتشكيلها والخطوط المائلة الصغيرة لفك إعجام الأحرف. وتعدّ صفحة هذا المخطوط من أوائل المخطوطات التي تحولت الخطوط المائلة الصغيرة فيها، فيما بعد، إلى نقاط لتمييز الحروف العربية المتشابهة. وهناك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير