تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب عن ابن زيد: في قوله تعالى {وحصورا} قال: الحصور الذي لا يأتي النساء.

ثنا أسباط عن السدي: في قوله تعالى: {وحصورا} قال: الحصور الذي لا يريد النساء.

عن عباد عن الحسن: في قوله تعالى: {وحصورا} قال: لا يقرب النساء.

روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وحصورا} أي لايأتي النساء، وعليه شرحه الحافظ ابن حجر في فتحه فقال: ((وأصل الحصر الحبس والمنع، يقال لمن لايأتي النساء أعم من أن يكون ذلك بطبعه كالعنّين أو بمجاهدة نفسه وهو الممدوح، والمراد في وصف السيد يحيى عليه السلام)). (4)


## المطلب الرابع والأخير: ((الراجح))
كان لزاماً بعد ذكر الأقوال المأثورة في تفسير هذه الآية المباركة في المطلب الثالث من تعيين أرجح الأقوال في تفسيرها، فكان بذلك القول الصحيح بأن الحصور ((هو الذي يكف عن النساء ولايقربهن مع القدرة على إتيانهن))، ورُجِّحَ هذا القول والله أعلم لثلاث دلائل:
الدلالة الأولى: أن وسم نبي الله يحيى عليه الصلاة والسلام بالحصور إنما هو مدح له وثناء، والثناء كما هو معلوم إنما يكون عن الفعل المكتسب دون الجِبِلَّة في الغالب.
الدلالة الثانية: أن كلمة ((حصور)) في اللغة العربية على وزن فعول من صيغ الفاعلين، فالمعنى يصبح أنه يحصر نفسه ويحبسها عن الشهوات، ولعل هذا والله أعلم كان شرعه.
الدلالة الثالثة: أن الأحاديث المروية في تفسير هذه الآية والمذكورة في معظم التفاسير بإختلاف ألفاظها وأسانيدها حكم على جُلَّها الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى بالغرابة الشديدة، وبوقف بعضها على الصحابة كعبد بن عمرو العاص، وبقطع بعضها على التابعين كسعيد بن المسيِّب.
فيتبين أن إستشهاد بعض المفسرين بهذه الأدلة والأقوال بأن يحيى عليه الصلاة والسلام لم يكن له ذَكَر أو كان ذَكَره مثل الهدبة أو النواة لايعتدُّ به لما تقدم ذكره بغرابته أو لها حكم الموقوف أو المقطوع، ولقد سُئِلَ فضيلة الشيخ العلاَّمة المحدث سليمان بن ناصر العلوان نفع الله بعلمه عن هذه الأحاديث والأقوال فقال: ((الأحاديث التي تصف ذَكَر يحيى عليه الصلاة والسلام وأنه كان عقيماً جميعها غير صحيحة، والموقوف منها فيه نظر، والصحيح أنه لايصح في هذا الباب شيء)) (5)، ولعلّي أختم بكلام وافٍ للقاضي عياض رحمه الله وغفر له حول هذه الآية حيث يقول: ((اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان حصوراً ليس كما قاله بعضهم أنه كان هيوباً أو لاذَكَر له، بل قد أنكر هذا حذّاق المفسرين ونقّاد العلماء وقالوا: هذه نقيصة وعيب ولايليق بالأنبياء عليهم السلام وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب أي لا يأتيها كأنه حصورٌ عنها، وقيل: مانعاً نفسه من الشهوات، وقيل: ليس له شهوةٌ في النساء وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم يمنعها إما بمجاهدة كعيسى أو بكفاية من الله عز وجل كيحيى عليه السلام ثم هى في حق من قدر عليها وقام بالواجب فيها ولم تشغله عن ربه: درجة عليا وهى درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادةً بتحصينهن وقيامه عليهن وإكسابه لهن وهدايته إياهن بل قد صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره فقال: حبب إلي من دنياكم)) (6) إنتهى كلامه رحمه الله، هذا وربي أعلى وأعلم، فما أصبت من الله عز وجل وما أخطأت فمن نفسي المقصرة والشيطان، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير