الاستفادة بالموجود خيرٌ من البحث عن المفقود (ورقة عمل للاستفادة بالمخطوطات الموجودة)
ـ[المستشار]ــــــــ[26 - 05 - 05, 01:11 ص]ـ
لعل من المناسب الآن، وقبل توالي الخطوات بحثًا عن مخطوطٍ جديدٍ للتحميل من المكتبة الأزهرية، أو وضع ما جَدَّ في حوزتنا من غيرها، أن نقوم بعملٍ لا يقل خطورة وأهمية عن إبراز المخطوطات وجلبها من هنا وهناك، بل هو الغاية التي من أجله تُجْلَبُ المخطوطات.
لدينا كمًّا هائلاً الآن من الأوراق والنسخ الخطية، المحفوظة على أجهزتنا، ولكن هيهات أن نستفيد منها ما لم نعرف ما بداخلها، ونقف على محتواياتها ومشتملاتها على وجهٍ دقيق ومحصورٍ.
ولا شك أننا في هذه المرحلة قد قطعنا شوطًا كبيرًا، وجمعنا كمًّا عظيمًا ينبغي الوقوف عنده للحظات للاستفادة منه.
وهنا أتوجه للقادرين على البدء في هذه الخطوات أن لا يتكاسلوا، بل علينا جميعًا أن نتعاون في هذا المجال، بلا لا أكون متجاوزًا إن قلتُ: إن مرحلة تفريغ وفهرسة هذه المخطوطات أهم بكثير من مرحلة تجميعها؛ لأنه لا قيمة لأوراق محفوظة على جهازٍ أو في داخل أدراج، وما قيمة ورقة في يد عاجزٍ عن القراءة أصلاً؟؟
ويُذَكِّرني هذا برجلٍ ركب معنا السيارة يومًا في سفرٍ لنا، يلبس (بدلة إفرنجية) عظيمة، وعليه رونقٌ وبهاء، وبيده جريدةٌ، ومضى بنا الطريق، ثم فوجئنا بعجوز يسأل هذا الراكب المتألق: ما هو سعر العملة اليوم في الجريدة التي معكم يا أستاذ؟ وكانت الصدمة لنا جميعًا حين قال هذا المتألق: لا أدري لأني لا أكتب ولا أقرأ ولم أدخل مدرسة أصلا، ولكن طبيعة عملي تحتم عليَّ هذا المظهر!!!
ولعل هذا المَثَل الحي الذي رأيناه يُعَبِّر عن حالنا الآن مع هذه الأوراق التي قد تتجاوز الألوف، ولكنها لم تتجاوز بعدُ حَدَّ الأوراق!!
فهي ورق، وإن سمَّيناها نسخة خطية!!
ورقٌ وإن كانت صحيح البخاري أو مسلم أو حتى الكتب الستة مجتمعة!!
لا تتجاوز حدَّ الورق في يد عاجزٍ عن مطالعة ما فيه!!
لابد من وقفةٍ حاسمةٍ هنا، حتى لا يطول بنا المشوار بلا فائدة، بل ربما كان الجري خلف سرابٍ لا قيمة له.
فنحن نتعبَّد لله عز وجل بأعمالنا وأقوالنا وأفعالنا، وهذه الأقوال والأفعال والأعمال نأخذها ونتأسى فيها بالشرع المطهر، ونترسم خطوات النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهذا كله يستلزم الاطلاع على سننه وأقواله، والنظر في مطبوعها ومخطوطها، للقادرين على النظر.
ولم يتعبدنا الله عز وجل، ولا طلب منا مجرد جمع الكتب وكفى.
ماذا لو طبعنا المصحف ملايين المرات ولم نقرأ فيه حرفًا واحدًا؟ هل نكون قد أدينا الأمانة له؟ هل نكون قد تواصلنا معه؟ أم أننا من الهاجرين له وإن طبعناه بعدد رمال الأرض من المرات!!
العبرة بالاستفادة لا بالطبع والنشر والتوزيع والتجميع، فهذه كلها وسائل للاستفادة، وليست غايات!
ولذا علينا أن نضع الوسائل اليوم في موضعها، ونقول لها: جزاك الله خيرًا أديتِ ما عليك، وجاء دور الغايات، لتحمل الراية من بعدك!!
هذه هي نقطة البداية التي لابد منها الآن.
وبدونها سنظل نجمع ونجمع، ولا فائدة!!
لأن الجمع كما قلنا: وسيلة لغاية أعظم وأسمى، ولكن مجرد الجمع للجمع ليست مطلوبة.
اكتناز العلم وحجبه عن الناس هو من جنس اكتناز الزكاة وحبسها عن الناس من حيث تفويق مصالح الشريعة والعبادة في كلا الأمرين.
ولا فرق بين حجب العلم عن الناس عن عمدٍ، وبين حجبه عنهم عن طريق التبديل بين الوسائل والغايات، وجعل الوسيلة مكان الغاية بما يضر بالغاية! فالنتيجة واحدة في جميع الحالات وهي: حجب العلم عن الناس وتفويت مصالح العباد منه.
لدينا هنا سنن وأجزاء ومشيخات، لكنها حتى الساعة لم تتجاوز حدَّ السنن والأجزاء والمشيخات، ولم نسمع أحدًا يقول: هاك فهرس مشيخة كذا، وآخر يقول: وهذا فهرس سنن كذا!
وهذا عين ما نطلبه ونريده الآن، بل هو من ضروريات الوقت ومطالب الساعة الآن؛ لتوقف الاستفادة من هذه الكتب على هذا العمل.
وهنا أرجو التكاتف والتواصل، وأن يقوم المشرف المختص نفع الله به، بدوره في تنسيق الجهود في هذا المجال أيضًا، كما رأيناه قام بذلك في مجال جلب المخطوطات ونسخها، نفع الله بجميع الجهود وبارك في الجميع.
ولعل من المناسب الآن أن نطالب كل قادرٍ أن يُعْلِن عن نفسه، ويُشَمِّر عن ساعديه لبدء فهرسة هذه المخطوطات المتاحة الآن للاستفادة منها.
ولعل من المناسب أيضًا أن نطالب القادرين على البرمجة والمختصين بأمر الحاسبات أن يقوموا هنا بدور فاعل ونشط نحو هذه الخدمة الجليلة لطلبة العلم خاصة وللأمة عامة، من خلال الخطوط الآتية:
لعل من المناسب لهم أن يضعوا لنا برنامجًا صغيرًا وسهلا في التعامل معه، يسمح لنا بوضع كافة الفهارس المتاحة على ملفات وورد في هذا البرنامج والبحث فيها، بحيث نقدر من خلال الوقوف على مكان الحديث في الفهرس، والذي سينقلنا بدوره إلى مكان الحديث في المخطوطات الأصلية عن طريق الإحالة لموضعه في المخطوطات بالجزء واللوحة، ويمين أو يسار، وهكذا ..
وبإمكانهم إدخال نصوص الكتب التي توفرت مخطوطاتها هنا على برنامج خاص بها مع ما يقابلها من صفحات مخطوطة لنقدر على الوصول للمطلوب.
لاشك أن إثراء الموضوع بالحوار الجاد والهادف سيخرج لنا إن شاء الله بأطروحات أخرى قد تكون أكثر صلاحية من تلك التي سبق طرحها هنا.
والمهم أن تصب جميع الأطروحات في نهرٍ واحد، يسهل لنا تحويل المخطوطات الورقية إلى أداة فاعلة في أيدي الأمة، وبعبارة أخرى أدق وأشمل: تُحَوِّلنا نحن من حُمَّالين أو كنازين إلى مستفيدين أو باحثين حقيقين.
والله أسأل أن يعين كافة الجهود المشاركة في هذا المجال، ونفعنا الله جميعًا بما نكتب ونقول، وجعلنا وإياكم من عباده المخلصين.
¥