تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعني معنى كلام مسلم: مثلا لو قلنا أن الليث بن كعب- وهذا أحد الأئمة المصرين الكبار من أقران الإمام مالك- والليث مثلا في القاهرة، ونحن طلاب علم، وأنا رويتُ عن الليث مثلاً، قلتُ: عن الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة، فقال إمام مثل يحيى بن معين، فلان [يعني أنا] لم يلق الليث؛ لأن هذا خرج من مصر سنة كذا، وذهب إلى العراق، ودخل الليث بن سعد مصر بعد خروج هذا إلى العراق، ولما رجع هذا من العراق كان الليث قد مات. إذن أين أكون قد سمعت منه؟ الليث مثلا دخل مصر أي سنة من السنوات [لنقل] 150 مثلاً، أنا خرجتُ من مصر سنة 149 وذهبت للعراق، إذن أنا لم ألقه. الليث مثلا مات 155 وأنا نزلتُ مصر ثانية سنة 158 - 159 فهل لقيت الليث؟ سمعتُ منه؟ فمسلم يقول هذا، يقول "إذا قامتْ دلالة بينة" كالذي قلته آنفاً، على أن فلاناً لم يسمع من فلان أو لم يلقه، إذن نعمل بهذه الدلالة ونقول فلان لم يسمع فلاناً والإسناد منقطع.

أما إّذا لم يعرف أنا متى خرجت إلى العراق ولا متى دخل الليث ولا متى رجعت إلى مصر، والأمر على الإمكان إذن الرواية صحيحة، حتى تقيم الدليل على أنني لم أسمع من الليث، [يجب أن تفهم ما قلتُه آنفاً] لأنه سيتركب على هذا البحث أبحاث أخرى فإذا لم تفهم الآن هذا البحث فهماً جيدا [فلن تفهم الباقي] لأنه أدقّ وأعوص.

فمسلم رحمه الله بعدما قال هذا الكلام ضرب أمثلة قال: فإن قال- هذا القائل- أنا إنما طالبتُ بسماع الراوي من شيخه ولو مرة، مخافة ألا يكون سمع ويروي بالإرسال أي بالعنعنة، ولا يكون سمع منه، فهذا الذي جعلني أحتاط؛ لأنه من الممكن ألا يكون قد سمع منه، فأنا لكي أتأكد أنه لقيه وسمع منه، لهذا أنا محتاج أن يقول حدثني ولو في إسناد واحد، فقال له: إذا كنت تقول هذا الكلام فيلزمك أن تطلب السماع في كل رواية، وليس في رواية واحدة، لاحتمال أن يروي بالعنعنة رواية ما ولا يكون سمعها، وضرب أمثلة على ذلك، يقول: [إن] هشام بن عروة نحن نعلم بيقين أنه سمع من أبيه عروة وعروة سمع من عائشة وعائشة سمعت من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولاشك عندنا في اتصال هذا الإسناد، إسناد مذهب أيضاً، فأعطاك أحاديث لم يسمعها هشام بن عروة من أبيه عروة إنما سمعها من أخيه عبد الله بن عروة، وهذه مثلا عينة من الأحاديث التي لم يسمعها هشام من أبيه، فلو قال (هشام عن أبيه) أ ليس بهذه الأدلة يمكن أن يكون بعض الأحاديث لم يسمعها هشام عن أبيه؟ إذن حين يقول هشام (عن عروة) من أدراك أنه سمع هذا الخبر عن عروة، ولا يكون بينه وبين عروة واسطة؟ وقد تكون الواسطة رجلاً ضعيفاً مثلا وأنت لا تدري، فأنت تصحح إسناد هشام بن عروة، (سوف تصحح هذا الإسناد مع أن هناك واسطة في هذا الحديث بالذات بين هشام وعروة) إذن هذه الأمثلة تَرِدُ عليك وتهدم كلامك من أصله، وجعل مسلم يدلل بأدلة وأمثلة كثيرة على صحة قوله. خلاصة الكلام أن شرط البخاري الذي نسب إليه لاشك أنه أضيق وأحكم، ولكننا إذا التزمناه ستضيع علينا أحاديث كثيرة لم نقف فيها على موضع السماع من فلان عن فلان، مع إمكان السماع، فإذا كان شرط البخاري أضيق، لكن شرط مسلم صحيح ولا إشكال فيه، وشرط البخاري أضيق ولا نختلف أيضاً على انه أقوى، ولكن شرط مسلم قوي أيضاً، فلا معنى لتضعيف رأي مسلم في سبيل نصر رأي البخاري، كما فعل ذلك جماعة من طلاب العلم المعاصرين، وأنا كنت أودّ من إخواننا طلاب العلم أن يرجئوا الكلام في هذه المسألة الكبيرة، وألا يتسرعوا فيها فقد اختلف فيها العلماء الكبار جداً الذين لا تصل قامة واحد منا إلى شراك نعل واحد منهم، ومع ذلك اختلفوا في هذه المسألة اختلافاً كبيراً متبايناً، فكان الأولى بطلاب العلم أن يتمهلوا وان يصبروا على أنفسهم حتى إذا نضجتْ ملكتهم وطالتْ أعمارهم وكثر استقراؤهم، يصلون في أخر أعمارهم إلى الفصل في هذه المسألة، لأنني رأيتُ كثيرا من الطلبة الذين أعرفهم معرفة شخصية، ومنهم من لم تقلم أظفاره في العلم، ومنهم من يسرق تخريجات الشيخ الألباني وينسبها لنفسه، ويدعي تصحيحاً وتضعيفاً، دخل في هذه المسألة وألف كتاباً في الرد على الإمام مسلم رحمه الله، وفي تضعيف شرطه وفي نصر كلام الإمام البخاري، وأخذ هذا البحث كله في كتاب ابن رشيد السبتي الفهري رحمه الله الذي سماه (السند الأبين، والمورد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير