تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحديث ببعض ألفاظه بنصها في أماكن أخرى؛ لأن البخاري محتاج إلى هذا الحديث لوضعه في هذه الكتب [التي صنفها في صحيحه] كتاب الإيمان والنذور- كتاب الحيل- كتاب الطلاق- كتاب بدء الوحي- يضع هذا الحديث على حسب الفقه الذي يريده من هذا الحديث.

فربما قصد أبو علي النيسابوري- على فرض ثبوت هذا الكلام عنه- المعاني التي ذكرتها ولا نقصد تصحيح مسلم رحمه الله، وإلا فأهل العلم جميعاً على أن البخاري كان أجلّ من مسلم في فهم الحديث وفي فهم علله، وإنما تخرج مسلم بالبخاري بل قال الدارقطني رحمه الله: "لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء" وأنا أعتقد أن هذا الكلام صدر على سبيل المبالغة وإلا فقد تخرج مسلم بمئات الشيوخ الكبار من أمثال البخاري، منهم هو، وقد لازم البخاري فعلا خمس سنوات ولكن علم الحديث الذي عند مسلم ليس عن البخاري وحده، إنما أعتقد أن هذا الكلام إنما صدر على سبيل المبالغة، وعلى سبيل إظهار مكانة البخاري رحمه الله.

وقال قائل آخر إن مسلماً بعض غلمان البخاري، وهو أيضاً يجري الكلام هنا على نفس الوتيرة التي صدرت من الدارقطني رحمه الله.

فالبخاري- كما قلت- إذا كانت جلالته في علم الحديث فوق مسلم فلاشك أن تصحيحه يكون فوق مسلم أيضاً، لإجماع العلماء على الفرق بينهما، وقد ذكر بعض إخواننا سؤالاً يقول: هل شرط البخاري هذا في صحيحه فقط؟ أم في أصل الصحة؟ والظاهر أنه في أصل الصحة وليس في صحيحه فقط، ويدلّ على ذلك أحاديث كثيرة في كتاب (التاريخ الكبير علّلها البخاري رحمه الله برغم أنها موجودة مثلاً في صحيح مسلم، لكن علّلها البخاري بأنه لا يعلم لفلان سماعاً من فلان، ويعلّل أحاديث أخرى بنفس هذه العلة، فدلّ ذلك على أن البخاري إنما يقصد أصل الصحة في هذا الشرط، ولا يقصد صحيحه وحده.

قال: "ثم إن البخاري ومسلماً لم يلتزما بإخراج جميع ما يُحكم بصحته من الأحاديث، فإنهما قد صححا أحاديث ليست في كتابيهما، كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده بل في السنن وغيرها". وطبعاً هذا فيه ردّ على اللذين زعموا أن البخاري ومسلماً استوعبا الأحاديث الصحيحة، وبنوا على هذا شيئا آخر وقالوا إن الأحاديث الصحيحة لا تتجاوز ثلاثة آلاف حديث، لأن مجمل ما في البخاري ومسلم- بعدم المكرر- قرابة ألفي حديث ونيف، وهذا الكلام غير صحيح، يدلّ عليه قول البخاري نفسه. قال: "ما أخرجتُ في كتابي هذا كل ما عندي من الصحيح، إنما أخرجت فيه أصحّ الصحيح وتركت من الصحاح لحال الطول" روى هذا عنه إبراهيم بن معقل النسفي أحد رواة كتابه، وصرح بذلك الأئمة مثل أبي بكر إسماعيل صاحب المستخرج على صحيح البخاري، وصرح به أيضاً ابن عبد البر عالم الأندلس الشهير وجماعة أخرى، وصار كالمتواتر عند علماء الحديث بل هو متواتر، فعند علماء الحديث أن البخاري رحمه الله لم تخرج كل الأحاديث الصحيحة، ومن الأدلة على ذلك أن من طالع كتاب (العلل الكبير) لأبي عيسى الترمذي رحمه الله، وهو كتاب يشتمل على أحاديث يسأل الترمذي فيها شيخه البخاري عن جملة من الأحاديث والبخاري يجيب بما عنده من العلم، إما هذا الحديث معلل، وإما صحيح وإما حسن وإما موقوف على حسب ما يجيب البخاري، فيقول: سألتُ محمداً- أي ابن إسماعيل البخاري- عن الحديث الذي رواه فلان حدثني فلان عن فلان عن فلان فقال هذا حديث حسن أو هذا حديث حسن صحيح أو هذا حديث صحيح، فقد صحح البخاري أحاديث كثيرة في كتاب العلل الكبير للترمذي، بل في كتبه الأخرى مثل التواريخ الثلاثة أيضاً، يخرج أحاديث ويحكم على بعضها بالصحة، فدلّ هذا على أن البخاري لم يشترط جمع الصحيح كله في كتابه، فكل هذه الأحاديث التي صححها لا تكون في صحيح البخاري وإنما تكون في السنن وغيرها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير