تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالإمام مسلم رحمة الله عليه حين يخرّج للرواة المتُكلّم فيهم، إنما يخرّج لهم ما توبعوا عليه، ولم يخرّج لهم حديثاً واحداً انفردوا به، إلا ما رأيته من أسباط بن نصر، فإني لم أرَ أحداً تابعه في هذا الحديث، فيُحمل ذلك على أن مسلماً انتقى من حديثه ما لم ينكروه عليه.

فلا يأتي قائل فيقول: إن هذا الراوي متُكلّم فيه، فهذا الراوي ضعيف، كيف خرّج مسلم له؟

خرج مسلم له، أو خرج البخاري مالم ينكروه عليه، والإمام مسلم إمام مميِّز ناقد، والإمام البخاري إمام مميِّز ناقد، فحين يقول: الرواية هذه صحيحة- صحيح الراوي تُكلم فيه- لكن هذه الرواية لم يلغط فيها. [عندئذٍ] يسلم له فيما يقول، كما يسلم لأهل كل فنٍّ في فنّهم، يسلم للغويين في اللغة، وللفقهاء في الفقه، وللقراء في القراءات، وللأطباء في الطب، وللمهندسين في الهندسة، وللتجار في التجارة، كما يسلم لكل واحد في فنه، يسلم للمحدثين في فنونهم.

فلا يأتي قائل فيقول: ما الدليل على أنه لم يغلط في هذا الحديث؟ لأني أستطيع أن أقول هذا الكلام في روايات الثقات الكبار التي انفردوا بها، فحديث (إنما الأعمال بالنيات) ما رأيكم به؟ صحيح؟ هل يقدر أحد أن يثبت أنه صحيح؟ سأقول لك: إن فيه علة، هذه العلة، أن محمد بن إبراهيم التيمي أحد من انفرد بهذا الإسناد، قال فيه أحمد: يروي مناكير. فما أدراك لعل هذا الحديث من مناكيره، كيف ترد؟ هل تستطيع إثبات أن هذا الحديث صحيح؟

هذا الحديث على وجه الخصوص، أجمعت الأمة بما فيها أحمد بن حنبل على صحته، فما الدليل على صحته؟ إجماع الأمة. هكذا انتهى الجواب.

الآن نريد أن نرد على جرح أحمد بن حنبل، الذي قال في محمد بن إبراهيم التيمي "يروي مناكير" فهل هناك فرق بين أن يقول الناقد في الراوي: (يروي مناكير) أو أن يقول فيه: (منكر الحديث)؟ هل هناك فرق بين الصيغتين.؟ الفرق بين الاثنين رعاية الاسم والفعل، فالاسم يفيد الثبات والاستقرار، والفعل يفيد التجدد والحدوث، فعندما تقول: (منكر الحديث) فصارت هذه السمة صفة لازمة لهذا الراوي، كما قال تعالى: {وَكلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصيْدِ} لو كانت اللفظة (وكلبهم يبسط ذراعيه بالوصيد) ما الفرق بين الاثنين؟ في حالة (باسط) أي بسط يديه وتوقف عند هذا الحد، فلم يحركها، بقي باسطاً ذراعيه حتى بعثه الله، إنما (يبسط) ذراعيه، فيعني أن يقبضها ويبسطها ويقبضها ويبسطها. فلو قال: (منكر الحديث) فهذه صفة لازمة للرواية، أما (يروي مناكير) فقد يروي أحياناً المناكير، فقول الإمام أحمد (يروي مناكير) فيدل على أنه ليس كل أحاديث محمد بن إبراهيم التيمي منكرة، بل فيها منكر وفيها صحيح، فإذا أجمعتْ الأمة على قبول رواية من رواياته، فهذا من صحيح ما روى. ومن جملة ما اتفقت الأمة على صحته حديث: (إنما الأعمال بالنيات).

هذه العلة الأولى، هناك أيضاً علة، وهو ما وقع في حديث في رواية من روايات البخاري، وقد روى البخاري هذا الحديث في سبعة مواضع من صحيح، ورواه مسلم في موضع واحد. من ضمن المواضع السبعة تلك، إن علقمة قال: سمعت عمر ابن الخطاب يقول، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات). حين يطلع عمر بن الخطاب على المنبر في المسجد، هل يكون المسجد ممتلئاً أم لا؟ معنى أنه طالع على المنبر، يعني أن الناس كلها سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف لم يروه إلا علقمة؟ وكان الجامع ممتلئاً، ولا يُعرف في الدنيا كلها من شرقها وغربها وشمالها لجنوبها وعاليها وسافلها أحد روى هذا الحديث عن عمر إلا علقمة. فأين الباقون؟ لماذا أقول لك هذا الكلام؟ لكي أعلمك كيف يطرق الخصوم الطرق في إعلال الروايات. فالكلام المستقيم الجميل، يمكن أن أقلبه فأجعله قبيحاً، والكلام الكفر ممكن أمرره فأجعله حلواً وأزينه بحسن الظن وغيره، وكل شيء ممكن أن ينقلب، لهذا فدراسة قوانين الرواية مسألة في غاية الأهمية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير